نحن لا نستحق ما أسسه روادنا لنا من أدب وشعر؛ لأننا لم نعطهم ما يستحقونه من احتفاء وتقدير!
في مكتبتي الصغيرة، كنت أبحث عن ديوان شعري أقطع به سأم ساعات الأرق، فسقطت يدي على ديوان الشاعر «محمد بن عبدالله بن عثيمين»، شاعر نجد الكبير في زمن الملك عبدالعزيز وما قبله، كان الديوان ممهوراً بإهداء لي من محققه الشيخ سعد الرويشد قبل عشر سنوات، تناولته ومسحت الغبار المتراكم عليه، وكنت لا أجهل هذا الشعر الذي بين يدي، فقد دَرَسْته ودرّسْتُه لطلابي سابقاً، غير أني في هدأة الليل وسكونه، قرأت سيرة الشاعر وشعره قراءة مختلفة، فيها الكثير من التأمل، خاصة وأنا أقيم في مكان لا يبتعد سوى ميلٍ واحدٍ تقريباً عن مراتع شبابه، ومساكن آبائه، في حوطة بني تميم.
أثناء القراءة؛ كانت أسئلة كثيرة تقرع رأسي من كل جانب، عن سر اختفاء هذا الشاعر الكبير وغيابه عن مناسباتنا الثقافية والوطنية، وهو الفارس الشاعر الذي ساهم في تأسيس المملكة العربية السعودية مع بقية رجال الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه-!
لم يكن ابن عثيمين شاعراً عادياً كبقية الشعراء من جيله الذين عاشوا فترة تأسيس الدولة السعودية الثالثة؛ حتى نبرر لأنفسنا تجاهله، فقد كان لشعره طابع تجديدي إحيائيٌّ خاص، يشبه ما أحدثه الشعراء الكبار الآخرون في مصر والشام والعراق من أمثال البارودي والرصافي وغيرهم من شعراء مدرسة «الإحياء والبعث»، ولا أدل على هذا من قصيدته المشهورة التي امتدح بها الملك عبدالعزيز بعد فتح الأحساء، ومطلعها:
العز والمجد في الهندية القضبِ
لا في الرسائل والتنميق للخطبِ
تقضي المواضي فيمضي حكمها أمما
إن خالج الشك رأي الحاذق الأرب
وليس يبني العلا إلا ندى ووغى
هما المعارج للأسمى من الرتب
ورغم أن ابن عثيمين لم يحظ بأسباب الثقافة والاطلاع التي حظي بها أولئك الرواد الكبار في بلدانهم، إلا أنه لا يقل أهمية عنهم في مسيرة الشعر في جزيرة العرب لأسباب فنية شعرية خالصة، ولأسباب سياسية أيضاً، والمؤسف أننا لا نجد له حضوراً يوازي مكانته في الكتب والدراسات النقدية التي تتناول شعر تلك المرحلة عند العرب، وربما لم يكن متاحاً لنا أن نتعرف على هذا الاسم الكبير وأن يظهر في مشهدنا الأدبي المحلي لولا الجهد الفردي الذي عمله الرويشد مشكوراً، حيث جمع ديوان الشاعر مما نشر عنه في صحيفة أم القرى ومن بعض الوثائق القديمة، حصل عليها بعد جهد جهيد من هنا وهناك، وقد فاته - مع حرصه الشديد- الكثير من تراث الشاعر؛ لأن أقدم ما تحصل عليه من شعره، قصيدة نظمها في سن الخمسين!!
فكم من القصائد التي قالها قبل ذلك، وفات على المحققين والدارسين جمعها؟!
نحن لا نجيد تسويق أدبنا وتراثنا المحلي، وزامر حينا لا يطربنا للأسف، والعثيمين واحد من رواد كثر، يستحقون منا أن نخلد أسماءهم، وفاء لما قدموه، وتعريفاً للأجيال القادمة بهم، وسبل ذلك لا تحتاج مزيداً من التفكير، وإنما تحتاج المزيد من النبل والوفاء وحسن الأداء من قبل الجهات الثقافية المعنية بذلك، كدارة الملك عبدالعزيز التي أنشئت لخدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة العربية السعودية، وكمركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي أنشئ ليكون مركزاً ثقافياً وواجهة حضارية مشرقة تعكس تاريخ جزيرة العرب، والمكتبات العامة كمكتبة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبات الجامعات، والأندية الأدبية، ومناسبة الجنادرية، ومعارض الكتاب الدولية، وعلى رأس ذلك كله؛ وزارة الثقافة والإعلام.
أتمنى أن أرى يوماً ما، قاعة مؤتمرات أو مكتبة أو ميداناً مطرزاً باسم الشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين، يكون شاهداً ومخلداً لاسم من أكبر الأسماء الشعرية في تراث الجزيرة العربية وفي عصر بداية الدولة السعودية الثالثة، دعونا نفعل مع أسلافنا كما تفعل الأمم المتحضرة يا أصحاب القرار.
قال لي صاحبي ذات مرة:
نحن لا نحتفي بمثقفينا وأدبائنا إلا بعد موتهم!
فقلت: هذا صحيح، لكن الأصح؛ أننا لا نحتفي بالكثير منهم مطلقاً!.
- د. حمد بن محمد الهزاع