د. عبدالواحد الحميد
ونحن نحتفل بذكرى توحيد الوطن وما ننعم به من الأمن والطمأنينة، نجول بأبصارنا فيما حولنا فنرى عالمًا مضطربًا يئن تحت وطأة الإرهاب والحروب الأهلية والتمزق والانقسامات والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية!
وكم هو مؤلم أن نجد البلدان العربية في مقدمة البلدان التي تعاني من هذه المشكلات والمآسي بعد عقود طويلة من التخلص من الاستعمار المباشر، بل إن بعض مواطني تلك البلدان العربية يرى أنها كانت أسعد حالاً في أزمنة الاستعمار مما هي عليه الآن من فوضى وانهيارات شاملة.
نعم نتألم لما وصل إليه عالمنا العربي من التردي والخذلان، لكننا لا ننسى ما نحن عليه ولله الحمد من استقرار وأمن في بلدنا وندعو الله أن يديم ما نحن عليه من نعمة الأمن والاستقرار؛ تلك النعمة التي لا يقدرها حق قدرها إلا من افتقدها، وندعو الله أن يرفع الغمة عن البلدان العربية الشقيقة التي يعاني بعضها من غياب الأمن ومن تدهور الخدمات الضرورية للحياة.
ولطالما حدثنا الآباء والأجداد عمّا كانت عليه هذه الجزيرة العربية من حالٍ مزرية قبل توحيدها حيث كانت النزاعات الأهلية والقبلية والجوع والفقر وكل مظاهر التخلف تسودها، ولم نكن نستوعب ما كانوا يتحدثون عنه لأننا وُلِدنا بعد زوال تلك المظاهر. لكننا اليوم نعي ونقدر ونستوعب المعاني التي كان الآباء والأجداد يرمون إليها بعد أن عايشنا الأوضاع التي انقلبت إليها أقطار عربية كانت تنعم بما كان الأجداد يتطلعون إليه من رغد العيش عندما كانوا يرتحلون إلى تلك الأقطار بحثًا عن لقمة العيش أو طلب العلم أو الاستشفاء.
نتحدث دائمًا عمّا لا يروق لنا من أمور في بلدنا، وهذا أمر طبيعي في مجتمع حيوي ينمو ويزدهر ويُفرز في سياق تطوره مظاهر إيجابية وأخرى سلبية، فحتى أكثر بلدان العالم تقدمًا تعاني من الأزمات الدورية في جوانب عديدة من حياتها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا هو الأمر الطبيعي في المجتمعات الحية المزدهرة التي تشق طريقها وتعالج ما يصادفها من مشكلات في الطريق.
فنحن عندما ننتقد بعض أوضاعنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لا نجحد النعمة التي نتفيأ تحت ظلالها في هذا البلد الأمن المستقر المزدهر وإنما ننقد لأننا نسعى إلى الرقي بمجتمعنا إلى الأفضل والأكمل.
طابت أيامك يا وطني وطاب أهلك وهم يحتفلون بالذكرى السادسة والثمانين لتوحيدك، وألف رحمة تتنزل على روح موحد هذا البلد المغفور له الملك عبدالعزيز وعلى أرواح الآباء والأجداد الذين صنعوا هذه الوحدة، ونسأل الله أن يديم عز هذا الوطن ووحدته وأمنه واستقراره. وكل عام وأنت يا وطني وأهلك بخير.