د. أحمد الفراج
لا أحد يدري، على وجه التحديد، ما ستسفر عنه تطورات مشروع القانون الذي سيسمح بمقاضاة المملكة، ويعتمد هذا، بالدرجة الأولى، على النية الأمريكية تجاه المملكة مستقبلاً، لأن الساسة الأمريكيين يدركون أن العلاقة التاريخية بين البلدين لن تعود كما كانت، فيما لو تم إقرار القانون، وغني عن القول أن المملكة تظل حليفاً هاماً بالنسبة لأمريكا، فعلاوة على الجانب الاقتصادي، أي وجود النفط واحتياطياته، والذي يعتبر شريان الاقتصاد العالمي، وسيظل كذلك في المستقبل المنظور، فإن المملكة عضو في مجموعة العشرين، ولها الثقل الأكبر في العالم الإسلامي، بسبب رعايتها للحرمين الشريفين، ولا يغيب هذا عن صانع القرار الأمريكي، والاحتمالات كلها واردة، خصوصاً وأن أمريكا تعيش موسم انتخابات رئاسية غير مسبوق، ومع أن أمريكا سبق أن تخلت عن بعض حلفائها فيما مضى، إلا أنني لا زلت أرى صعوبة تخلي أمريكا عن المملكة، وذلك لما يمثله التحالف معها من أهمية في هذا التوقيت تحديداً، وهناك مقترحات أخرى مطروحة، أي بعد استخدام الرئيس أوباما للفيتو، وعودة الموضوع، مرة أخرى، إلى الكونجرس للتصويت عليه.
البيت الأبيض قد يقترح على الكونجرس تعديل القانون، وبالتالي تخفيف آثاره في حالة إقراره، وفي هذا محاولة لمراعاة حليف مهم . هذا، ولكن هناك أعضاء في الكونجرس الأمريكي يستخدمون دعمهم لمشروع القانون كدعاية انتخابية، فقد أصبح هذا المشروع مجالاً خصباً للمزايدات، وفي المقابل، هناك عدد لا يستهان به من أعضاء الكونجرس، ومنهم ساسة بارزون، لا زالوا مترددين بشأن إقرار القانون، فبعضهم يرى عدم التصويت عليه، بعد فيتو الرئيس، مراعاة للتحالف المهم مع المملكة، وحقيقة أنها هي المتضرر الأكبر من موجات الإرهاب، وعدم علاقتها بالإرهابيين، الذين شاركوا في تنفيذ هجمات سبتمبر، ومنهم من يتفق مع مؤسسة الرئاسة، في أهمية تعديل مشروع القانون، بحيث يكون ذلك حلاً وسطاً يغلق هذا الملف المقلق، ومن سوء الحظ أن تصويت مجلس النواب على مشروع القانون وتمريره، تزامن مع الذكرى الخامسة عشرة للهجمات، وما صاحب ذلك من احتفالات، وتغطيات إعلامية واسعة، ثم جاءت الطامة الأخرى، بوقوع ثلاثة أحداث إرهابية متزامنة، في ولايات نيويورك ونيوجرسي ومينسوتا، ولا يخفى أثر ذلك على الشعب الأمريكي، والذي يحرص أعضاء الكونجرس على إرضاء توجهاته، لأسباب انتخابية بحتة.
المرشح الجمهوري ترمب يرقص طرباً هذه الأيام، فتكرار الحوادث الإرهابية هو طريقه إلى المكتب البيضاوي، وهو يلعب على هذا الوتر، ولا شك في أن مشروع القانون الذي يدين المملكة سيخدمه، ويخدم أعضاء الكونجرس الجمهوريين، وهنا المشكلة الرئيسة، أي أن يتحول التصويت على مشروع القانون إلى لعبة انتخابية، ومع ذلك فأنا على يقين بأن هناك أعضاء بارزين، في كلا الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي، يعلمون تماماً مدى أهمية التحالف مع المملكة، ويدركون التأثيرات السلبية المتوقعة على هذا التحالف، فيما لو تم إقرار القانون، كما يعلمون بأن إقرار هذا القانون سيفتح أبواب الجحيم على أمريكا نفسها، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس أوباما، بكل صراحة ووضوح، وما علينا، والحالة هذه، إلا أن ننتظر، ونترقب، ونأمل أن يمر كل ذلك على خير.