سعود عبدالعزيز الجنيدل
درست في طفولتي، وصباي في جهتين متناقضتين تماما، جهة تمثل- As it were- الحزب اليميني، وجهة تمثل الحزب اليساري. سأتعرض لبعض هذه المفارقات في هذا المقال.
درست في مراحل دراستي الأولى، بدءا من الصف الخامس الابتدائي في سلطنة عمان الشقيقة، بحسب ظروف الوالد- حفظه الله- الذي كان موفدا لها في تلك الحقبة.
اختلافات كثيرة بيننا وبينهم من الناحية التعليمية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- وجود اختلاط في المرحلة الابتدائية من ناحية الطلاب والطالبات، وأيضا من ناحية المعلمين والمعلمات.
- وجود مواد لا تدرس عندنا مثل مادة الموسيقى.
- قلة المواد الدينية، في مقابل كثرة المواد العلمية.
- وجود فترتين للدراسة، الأولى تبدأ صباحا، والأخرى تبدأ من بعد صلاة الظهر في بعض المدارس - بدأنا في المملكة تطبيق هذا النظام في بعض المدارس في الآونة الأخيرة- .
بعد تلك الفترة أكملت تعليمي في المعهد العلمي في الشفا، حين كنت في الصف الثاني المتوسط، ولكي أصدقكم القول، فقدت أشياء كثيرة بدراستي في المعهد العلمي، وكسبت بعض الأشياء، من الأشياء التي كسبتها التأسيس اللغوي السليم، ومعرفة أمور لا بأس بها في الدين، والمكافأة الشهرية (390 ريالا) كما أذكر.
وخسرت أشياء كثيرة منها:
- عدم الوقوف للاصطفاف الصباحي، وممارسة التمارين الرياضية، كما كنت أمارسها في عمان.
- عدم إكمال تعليمي في مادة الرياضيات، حيث كان آخر ارتباطي بها في الصف الثالث المتوسط.
- عدم الاهتمام باللغة الإنجليزية، لدرجة أني أذكر أحد المعلمين - نطلق عليهم لقب شيخ حتى لو كان حليق اللحية مسبل الثياب- انتقد مادة اللغة الإنجليزية أمامنا بقوله: ما الفائدة من دراسة لغة العجم؟!
- عدم دراسة المواد العلمية، مثل العلوم، والكيمياء، والفيزياء...الخ.
- الحرمان من أي نشاط رياضي، فلا توجد حصص للتربية الرياضية.
- الحرمان من التربية الفنية.
فالمحصلة النهائية أنني خسرت أكثر مما كسبت! وقد يقول قائل: إن المعهد العلمي معهد متخصص بالدراسات اللغوية والشرعية، وهو معلوم سلفا توجهه، فمن يرغب أن يحصل هذه العلوم فليلتحق به، ومن لا يرغب فلديه المدارس الأخرى.
الكلام جميل ومقنع في ظاهره، ولكنه ضعيف في محتواه لعدة أسباب منها:
- المتحكم في هذه الأمور- خصوصا ونحن صغار- هم الآباء، فهم وحدهم يحددون توجهك في تلك الفترة، بغض النظر عن ميولك.
- لابد من تحصيل الحد الأدنى على الأقل في موادة مهمة، مثل الرياضيات، والإنجليزي، والحاسب، والعلوم، وهذا يؤدي لنوع من الشمول والمعرفة، ويزيد من ثقافة الطالب.
- الاكتفاء بتكثيف المواد الشرعية، والمواد اللغوية، وتجاهل ما سواهما من المواد العلمية، يجعل محصلة الطالب ناقصة.
وفي حقيقة الأمر، أستغرب من النظام السابق في المعاهد العلمية - حقيقة لا أعرف هل ما زال إلى وقتنا الحاضر النظام نفسه أو تغير- ، واستغرابي نابع من عدد من الأمور، وهذا استدعاني لطرح عدد من الأسئلة:
لماذا يتم إلغاء الطابور الصباحي؟
لماذا لا نأخذ حصصا في التربية الرياضية؟
لماذا نهمش تماما المواد العلمية؟ ألم تكن الحضارة الإسلامية مرجعا للغرب في شتى العلوم في حقب سابقة؟ ألم يكن المسلمون أسيادا لعلوم كثيرة في الطب، والفلسفة، والتاريخ…
- لماذا هذا التهميش المقصود لعقولنا في التعليم؟ وحتى في الدراسة الجامعية، تهمل تلك العقول، فما عليك إلا اتباع النقول، ولا تحرك العقول، وهذا كما أرى سبب ضعفا كبيرا في تحصيلنا، وفي قدرتنا على النقد والمجادلة.
من المسؤول عن هذا الأمر؟ وعلى عاتق من تقع المسؤولية؟
هل الآباء يتحملون ذلك؟، وهم في نظري الدائرة الصغرى.
أم الوزارة تتحمل ذلك؟، وهي الدائرة الوسطى.
أم المسؤولون عن وضع سياسية التعليم في المملكة؟ وهم الدائرة الكبرى.
أم أن المسؤولية خليط بين كل هذه الدوائر…
والضحية عادة ما نكون نحن.
إضاءة
فرحت كثيرا بدراسة مادة الموسيقى، في سلطنة عمان، وحفظت السلم الموسيقي ( دو، ري، مي، فا،صول، لا، سي)، وكانت تجربة مثيرة تستحق الإشادة، لكني عانيت كثيرا من… لكونهم لا يَرَوْن مثل هذه الأمور، ودائما ما كنت أسمع تحريمها من قبلهم...
أخيرا:
هل تعتقدون بحرمة الاصطفاف الصباحي، والتدريبات الرياضية، والنشيد الوطني في المعاهد العلمية، في تلك الحقبة؟ وهذا سبب عدم تأديتها. أم أن المسؤولين في تلك المعاهد لم يروا فائدة منها! أم هناك سبب آخر وعلة أخرى لا نعلمها ولن نعلمها!.