د. جمعان رشيد بن رقوش
يتجدد احتفاؤنا باليوم الوطني لمملكة العروبة هذا العام وهي تسمو فوق هام السحب، وتتجه إليها الأنظار وهي تحقق انجازات مشهودة ونجاحات غير مسبوقة، وتزداد في أعين العالم هيبة وحضوراً، فهي التي تدحر المعتدين وتكسر شوكتهم في جنوبها، وتصلي المتربصين رعوداً في شمالها، وتحبط كيد الخوارج بضرباتها الاستباقية في مختلف أرجائها وفي ذات الوقت ينمو اقتصادها وتعيش أمناً وارف الظلال وتخطو واثقة نحو التفرد والتميز على الصعيد العربي والدولي.
لقد تبوأت المملكة العربية السعودية بفضل الله وكرمه ثم بفضل القيادة الرشيدة مكاناً علياً بين الدول وحققت في سنوات قلائل انجازات مشهودة ونجاحات نفاخر بها في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها من مجالات التنمية البشرية وهو واقع ينعم الجميع بثماره اليانعة وشهدت المملكة في العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ أيده الله ـ قفزات تنموية يجل وصفها ولعل أبرزها هو برنامج التحول الوطني ورؤية المملكة 2030م التي وصفها خادم الحرمين الشريفين بكلمات ضافية حيث قال «لقد وضعت نصب عيني منذ أن تشرفت بتولي مقاليد الحكم السعي نحو التنمية الشاملة من منطلق ثوابتنا الشرعية وتوظيف إمكانات بلادنا وطاقاتها والاستفادة من موقع بلادنا وما تتميز به من ثروات وميزات لتحقيق مستقبل أفضل للوطن وأبنائه مع التمسك بعقيدتنا الصافية والمحافظة على أصالة مجتمعنا وثوابته لتكون بلادنا - بعون من الله وتوفيقه - أنموذجاً للعالم على جميع المستويات».
إن هذه الرؤية الطموحة الشاملة والتنوع الذي حدث في بنية الاقتصاد السعودي في السنوات الاخيرة يعزز الثقة في اقتصادنا وهو ما تؤكده مشاركة المملكة العربية السعودية فى قمة مجموعة العشرين الأخيرة والتي لم تأت من باب الثقل النفطي كما يقول بذلك بعض المغرضين، بل أتت من خلال حجم الاقتصاد السعودي الذي صنف في المركز الثامن عشر على مستوى العالم ، رغم الظروف التي يمر بها الاقتصاد الدولي. الأمر الذي يعزز رفاهية الحاضر ويضمن استقرار الغد بمشيئة الله تعالى. ولعل عظمة الإنجاز السعودي في مختلف المجالات تتجلى في كون هذه التنمية المذهلة تحدث في ظل مناخ دولي مضطرب ومحيط إقليمي تعصف به الأزمات ، وهذا ما يقودنا إلى التطرق للسياسة السعودية الحكيمة التي تجيد قراءة الواقع واستشراف المستقبل والتي أسهمت وبشكل فاعل في تجنيب المنطقة ويلات فتن كادت تعصف بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وأفشلت المشروع الصفوي الهدام الذي كان يُعد لمنطقتنا. ولقد أثبتت المملكة أنها الدولة الأكثر قدرة على تحقيق أمن واستقرار محيطها الإقليمي والدولي مستعينة بما خصها به الله تعالى من ثقل اقتصادي وروحي وجيوسياسي لحل النزاعات وإطفاء نيران الحروب قبل اشتعالها والتخفيف من الآثار المأساوية للأزمات من خلال جهودها في مجال المساعدات الإنسانية والإنمائية لتكون الدولة المانحة الأولى على المستوى العربي .
كما نجحت المملكة ومن خلال سياساتها الخارجية المتوزانة وتعاونها الإيجابي مع دول العالم واحترامها لسيادة الدول وثقافات الشعوب اضافة إلى دعمها للعمل الدولي المشترك من خلال المنظمات الدولية في أن تتبوأ مكانة متميزة داخل الأسرة الدولية لتحظي بتقدير المجتمع الدولي وتسجل لهذه البلاد سجلاً ناصعاً من العطاء والإنجاز.
كما أنها تواصل بقوة وعزم دعم ومساندة الأشقاء العرب في الحفاظ على أمن بلدانهم واستقلالها ورفاهية شعوبها ومناصرة قضايا الأمة المصيرية وفي مقدمتها الالتزام بدعم القضية الفلسطينية ، ومساعدة الشعبين السوري واليمني على تجاوز وضعهما الحالي إلى بر الأمان، وهو دور تقوم به المملكة بكل اقتدار ومنعة وهي تضحيات جسام سيخلدها التاريخ لهذا البلد المتفرد في عطائه، وكذلك تستمر جهود المملكة لتحقيق الأمن العربي والدولي بمفهومه الشامل بتبنيها لمراكز الأمن العالمية ومشاركتها في مختلف المناشط الدولية التي تهدف إلى تعزيز جوانب الأمن المختلفة واستضافتها للعديد من الفعاليات الدولية الهادفة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وأيضاً من خلال رعايتها لبيت الخبرة الأمنية العربية (جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية) غراس وبناء أمير الأمن العربي الراحل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ التي تستضيفها المملكة وتدعمها بكافة صور الدعم حتى أضحت موئل خبراء الأمن من أصقاع العالم أجمع وأسهم في ذلك ما تهيأ لها من دعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين ومتابعة وإشراف دائمين من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ورئيس المجلس الأعلى للجامعة. وعند الحديث عن الإنجازات التنموية التي تحققت فلا بد من الوقوف عند الاستثمار في المجال الأهم والأرجى خيراً وهو مجال التنمية البشرية متمثلاً في استمرار وتطوير برامج الابتعاث و زيادة عدد الجامعات حتى وصل إلى (27) جامعة حكومية متكاملة ودعمها بالكفاءات العلمية والإمكانيات المادية لتؤدي رسالتها على أكمل وجه. إن بلاد الحرمين الشريفين اذ تحتفي بيومها الوطني وذكرى تأسيس مملكة الإنسانية والتوحيد قلب العروبة الخافق فإنها تعتز وتفتخر بخدمة الحرمين الشريفين اللذان سخرت لهما المملكة كافة امكانياتها للقيام بواجب هذا الشرف الذي أنعم الله به بلادنا حيث يشهدان برامج توسعة عملاقة ومشاريع بنية تحتية متكاملة ستكون بمشيئة الله تعالى عوناً على تيسير مناسك الحج لضيوف الرحمن.
كما تواصل المملكة جهودها الدؤوبة لتعريف العالم بسماحة الدين الخاتم ووسطيته واعتداله وانه دين رحمة للعالمين وسيظل كذلك رغم محاولات التشويه الفاشلة التي تقوم بها الجماعات المنحرفة فكرياً والتي أسأت إلى الإسلام والمسلمين بجرائمها الدموية الإرهابية التي تستهدف الآمنين. إننا إذ نحتفي قيادة وشعباً بهذه الذكرى العزيزة على قلوبنا فإننا نباهي بأن المملكة العربية السعودية أضحت اليوم رقماً لا يمكن تجاوزه إقليمياً ودولياً وانها صمام أمان محيطها العربي والإسلامي، وركيزة أساسية من ركائز الأمن والسلم الدوليين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وإن هذه اللمحات المضيئة مما حققته بلادنا الغالية -على سبيل المثال لا الحصر- لهي نعم جليلة وآلاء جسيمة تستحق الشكر وتستوجب الحمد بكرة وعشياً.
نسأل المولى جلت قدرته أن يحفظ وطناً ليس كمثله وطن متفرداً في مكانته، سخياً في عطائه، وأن يديم علينا نعمه في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ وأن يمتعنا بطول بقائه ملكاً عادلاً حازماً حبيباً إلى القلوب وأن يحفظ سمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد. وسلمت يا بلادي وسلمت كل الأيادي التي تتفانى في خدمتك ليبقى اسمك عالياً، وتبقى رايتك خفاقةً بشهادة التوحيد في كل أرض وتحت كل سماء.