أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
القوة المُعتَمِدَةُ على الإيمان بالله هي التي أسست المملكة العربية السعودية, فالنصر لابد له من قوة، هذه هي قناعة المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لقد جمع القوة التي يرى فيها تحقيق آماله، لقد انطلقت هذه القوة من صحراء الجافورة متجهة إلى (أبا لجفان) ومن (أبا لجفان) انطلقت إلى (أبو مخروق) ومن (أبو مخروق) انطلقت إلى قصر الإمارة في قلب الرياض, حيث انقضّ عبدالعزيز برجاله فقاتلوا من اعترض طريقهم وفتحوا على القصر، هكذا فعلت القوة في الخطوة الأولى من خطوات تأسيس المملكة العربية السعودية، القوة أساسها العزم والصبر واتخاذ الوسائل التي توصل إلى النصر، لقد صبر أولئك الرجال على شظف العيش وقسوة الصحراء وشح المياه، إذا أشرفوا على مورد ماء كبّرو وهللوا فرحاً بذلك, فالصحراء لا تجود بالماء إلا في مواضع يعرفها الإدلاء، وقد يخفقون أحياناً (وردوهن هيت وأخطاه الدليله) ولكن أسود الصحراء ألفوها وألفتهم، ألم تقل المؤبنة لعامر بن الطفيل (لا يظمأ حتى يظمأ الجمل) فهؤلاء من الذين لا يظمؤون حتى تظمأ جمالهم، وهم يصبرون على الجوع كما صبر غيرهم ممن قال (أديم مطال الجوع) فإلف المشقة والصبر عليها أسٌ من أُسُس النجاح، والنصر في المعارك ما هو إلا منتج لعدة عوامل منها:
المران والصبر والعزم واجتناب شق عصا الجماعة في أي ظرف ألم يقل دريد بن الصمة (وهل أنا إلا من غزية إن غوت × غويت وإن ترشد غزية أرشد) فشق عصا الجماعة بدء الشقاق والتفرق وتعدد الزعامات، فأولئك الرجال لديهم قناعة بزعيمهم عبدالعزيز بن عبدالرحمن, ولذلك ساروا خلفه من ثنيّة إلى جبل ومن جبل إلى وادٍ يأكلون مما يأكل ويشربون مما يشرب، يؤمّهم في الصلاة ويرشدهم إلى طرق الخير، فهم سائرون خلفه مقتنعون بقيادته، تحوطهم رعاية الله وتصحبهم الطمأنينة لأن الهدف سامٍ والوجهة واضحة والمقاصد نبيلة، لقد نمت هذه القوة بعد فتح الرياض, فأرهبت جيران مدينة الرياض مما اضطرهم إلى تقديم الولاء لهذه القوة، فكان ولاؤهم دعماً لهذه القوة مما سهل انضواء البلدان والقبائل تحت راية عبدالعزيز، ولكن القائد لم يغتر بالنصر فسلاحه يصحبه، ورجاله المخلصون تحت إمرته، فالاستعداد للشر قائم:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقى
بأخرى المنايا فهو يقضان نائم
لقد توالت الانتصارات ولكن ليس في يوم وليلة، وليس في شهر أو شهرين، وليس في سنة أو سنتين، بل على امتداد سنوات وسنوات، فخلف الانتصارات انتظار حليم، ورؤية مجرب، وانتهاز الفرصة بعد الفرصة، لقد انتظر المؤسس في قصر ابن عُقَيِّل والانتظار أقسى ما يكون، فصبر رغم إلحاح جنده على بدء المعركة، والصبر في مثل هذه الظروف ينهش القلب ويرهق الفكر، ومع أن الزاد قليل والسلاح غير كاف فقد صبر حتى سنحت فرصة النصر, فاقتنصها كما يقتنص الصقر فريسته، وصبر المؤسس في السبلة حتى بانت جادة عبدالله العنقري في بعول أهل الزلفي من كثرة الترداد بين القائد ومناوئيه، ولما رأى أن وقت المعركة قد حان أمر جنوده بالتقدم حتى تحقق النصر، وصبر المؤسس في الرغامة شهوراً مع أن القذائف تتهاوى على جنوده من الجو ومن البر، ولكنها الحكمة تنبذ العجلة وتحبذ التراخي مادامت الرؤية مع التأجيل والأمل, في القادم أكثر من الحاضر، قُوَّةُ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بُنِيَتْ على أسس، واعتمدت على دعائم، ولذلك لازمت حياة المؤسس منذ فتح الرياض حتى اختيار اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية وهو أول يوم من الميزان من سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إن القوة هي رادعة الأعداء، وبدونها يتجرؤون ويتطاولون ويتمادون في غيهم، إن حدود المملكة العربية السعودية طويلة, فحمايتها مرهقة فكيف استطاع المؤسس أن يحمي هذه الحدود مع بعد المسافات، والوسائل إذْ ذاك دواب أو سيارات قريبة من سير الدواب، لقد استطاعت القوة الرادعة التي جربها الأعداء وسمع بها الجيران وعرفها البعيد والقريب أن تفعل فعلتها في حماية الحدود، ثم إن هذه القوة جلبت الأمن في البلدان والصحراء، فالقبائل كفت شرها عن بعضها البعض فلم نعد نسمع هجوم قبيلة على قبيلة كما كان الحال قبل توحيد المملكة ولم نعد نسمع هجوم قبيلة على بلد، ثم إن هذه القوة أمنّت الطرق فسلب المسافر أصبح نادراً إن لم يكن معدوماً، لقد اقتنع رجال البادية بأن السلب الذي ألفوه كمصدر للرزق لم يعد مجدياً في زمن قائد ردع الظالم، فرجال البادية يسمون ما يأخذون من المغلوبين كسبًا ولكن الملك عبدالعزيز ورجاله ووعاظه ردعوا الظالم فاتجه رجال البادية إلى الكسب الحلال فانتظموا في الأعمال التي تلائمهم وابتعدوا عن تلك الطرق المخالفة للدين. لقد بدأ الملك عبدالعزيز في تنمية البلاد بعد أن ردع الظالم فُحفرت آبار النفالتي جلبت المال وبهذا المال نشأ التعليم وتحسنت صحة المواطن عندما أنشئت المصحات في المدن وبعض القرى، وبالمال أنشئت سكة الحديد فقرب البحر من العاصمة الرياض عن طريق نقل البضائع، فقد كانت البضائع تنقل من ميناء العقير إلى (أبا لجفان) على ظهور الجمال ثم تنقل من (أبا لجفان) إلى الرياض بالسيارات، فالسيارات في ذلك الوقت لا تستطيع اجتياز رمال الدهناء، فلما مدت سكة الحديد وسار القطار عليها أصبحت البضائع تصل إلى الرياض بيسر وسهولة، وقد تواصل البناء وتشعبت طرق التنمية بفضل الله أولاً ثم بفضل المؤسس الذي أمن البلاد والعباد، فالتنمية تحتاج إلى حماية والحماية مرتبطة بالقوة، فقوة المؤسس صنعت الأمن الذي حمى التنمية, فبدون الأمن لن يكون هناك تجارة ولا تعليم ولا طرق، لقد مهدت الطرق فسلكها الحجاج آمنين وسار عليها المسافرون من بلد إلى بلد غير خائفين، إن الأمن الذي أرسى قواعده المؤسس امتد إلى حكم أبناء المؤسس فاعتاد الناس عليه وألفوه حتى ظنوا أن الأمن تحصيل حاصل حتى جاءت التفجيرات, فنبهتهم من سباتهم فعلموا أن الأمن الذي يعيشونه خلفه قوة ورجال يرقبون الجاني ويحمون الضعيف.
وإذا كان الملك المؤسس قد أنشأ القوة الأولى للمملكة العربية السعودية التي جمعت الشتات وحمت العرض فإن الملك سلمان هو باني القوة الثانية للمملكة العربية السعودية:
(ما حك جلدك مثل ظفرك
فَتَوَلَّ أنت جميع أمرك)
الملك سلمان استوعب الحياة السعودية في زمن الملك سعود والحياة السعودية في زمن الملك فيصل والحياة السعودية في زمن الملك خالد والحياة السعودية في زمن الملك فهد والحياة السعودية في زمن الملك عبدالله، فهو ينطلق في أعماله من قاعدة بيانات عاصرها وشارك في مُرِّها وحلوها، لقد شعر بحاجة المملكة إلى القوة فالأحداث تحيط بالمملكة من كل جانب وأطماع الجيران في هدم ما بناه المؤسس قائمة منذ سنوات، فالحَدُّ الجنوبي ملتهب منذ خمس سنوات فتارة يعلو اللهب وتارة يتراخى، وقد تبين للملك حفظه الله أن النار تحت الرماد فإن علا لهبها أو خبا فهي باقية ولابد من إطفائها وإطفاؤها يحتاج إلى وسائل عدة منها القوة فاتجه الملك سلمان إلى القوة، فهي الرادعة للأعداء، حامية الحدود، مرعبة الطامعين، إن سلمان حفظه الله رجل تاريخ وسياسة لا يقدم على أمر حتى يعرف مدخله ومخرجه وأبعاده وما ينطوي عليه، فقد لجأ إلى القوة لما رأى ظلم الجيران, وتعاميهم عن عهودهم، فقد خَلُّفوا ذلك خلف ظهورهم، وشهروا السلاح، واستهانوا بالجار، بل استهانوا بأبناء جلدتهم، فتنكروا لهم، واغْتَرُّوا بدعم من يرغب في تدمير بلادهم، إن الوعود البراقة التي تأتي من عدو لن تثمر إلا الخيبة والندامة في آخر أمرها، لقد دعم سلمان أصحاب الحق لما طلبوا منه ذلك فهو رجل الوفاء والصدق يفي بما قال، وكيف لا يكون ذلك وهو قارئ التاريخ، مستوعب الحكمة، حافظ الأمثال، فكأنه ينظر إلى قول الشاعر:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه
فإن نعم دَين على الحر واجب
إن الملك سلمان حقق أمنية المواطن في اليوم الوطني، وتلك الأمنية هي رؤية جيش قادر على حماية الوطن بإذن الله، فها هو الجيش الذي بناه سلمان يصمد أمام من يتمنى تدمير المملكة العربية السعودية، لقد هَللَّ الناس وكبروا لهذه القوة الرادعة بجنودها وعتادها وخبرتها، بطائراتها وسفنها وآلاتها البرية.
إن الأمة سائرة خلف سلمان القوي ولن تلتفت إلى مواطن يخذلها فيفت في عضد الوطن عن طريق الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي إما بحب الظهور أو التباهي بالآراء الشاذة، إن المواطن في اليوم الوطني لديه مسؤولية وهي رفع راية الوطن، والذب عنه، وإعلاء شأنه.
في هذا العام يصادف بدء الدراسة في اليوم الوطني، فعلينا استثمار ذلك في نشر الوعي الوطني لدى الطلاب والتعريف بهذا اليوم، والتعريف بالوطن وحقوقه، فالوطن تعيش على أرضه وتشرب من مائه وتأكل من ثماره, وتستخرج منه النفط, فالواجب على ابن الوطن في اليوم الوطني معرفة حق الوطن على كل مواطن، إن النشء بحاجة إلى التعريف بهذا اليوم وحتى يستقر في أذهانهم، رعى الله الوطن وأبعد عنه الشر، فالمواطن في هذه الأيام يلهج بالدعاء لقائد المسيرة سلمان بن عبدالعزيز ولجنوده الأشاوس الصامدين على خط النار، فلهم منّا الدعاء بالنصر فهم حماة الوطن أعانهم الله ونصرهم.