«الجزيرة» - المحليات:
دأبت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة منذ تأسيسها بمبادرة ودعم من المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- على مد جسور التواصل المعرفي العربي، وفتح آفاق أرحب للتعريف بالنتاج الفكري والعلمي والإبداعي لأبناء الثقافة العربية الإسلامية في جميع دول العالم وتيسير الاستفادة من مقتنيات المكتبات العربية والإسلامية من مصادر المعرفة بمختلف اللغات، انطلاقا من رسالتها الثقافية والحضارية الشاملة، والهادفة إلى نشر الثقافة والمعرفة وخدمة أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين من خلال العديد من المنافذ التي تقدمها لجميع الفئات العمرية والشرائح الثقافية والبرامج العلمية، وبما يجسد مسيرة، المملكة العربية السعودية الناجحة في الانتقال لمجتمع المعرفة.
وبمناسبة اليوم الوطني الـ86 نستعرض عبر هذا التقرير جانباً من جوانب عمل المكتبة ودورها في هذه المناسبة، حيث تواصل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة إنجازاتها في ظل عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بما يتسق وأهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لشأن ثقافي ومعرفي متميز، حيث تقدم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة جهدا كبيرا داخل الوطن وخارجه وعبر مشروعاتها التي باتت رصيدا ثقافيا لخدمة الباحثين وطلاب المعرفة، سواء ما يُعنى بالمعرفة العربية وإنتاجها وحفظها، أو ما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة الثقافية، سواء في عقد الشراكات لتحقيق الأهداف أو في التعليم الجيد عبر إيصال المعرفة، إضافة إلى ما تقدمه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في داخل المملكة وعبر برامجها ومشروعاتها العديدة، وهذه من أهم سمات المشروعات الثقافية التي لا بد من التوسع بها والقائمة على الذهاب لتقديم الخدمة وترغيب المجتمع وأفراده، وحثهم على ذلك في التواجد معهم وتطبيع المعرفة من خلال الاستمرار في مشاركتهم خطوة بخطوة، وبالتالي فهذا التوسع المعرفي هو إكساب ذهني صحيح لاستيعاب مرحلة 2030 التي تتطلب من الجميع التفاعل معها والانخراط فيها.
تقنية المعلومات وإثراء
الثقافة العربية
وانطلاقا من فكرة أن نجاح التحول إلى مجتمع المعرفة يصب في اتجاه تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، أدركت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض منذ وقت مبكر أهمية الاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات في التعريف بثراء الثقافة العربية الإسلامية وتنوع إسهاماتها في مسيرة التطور الإنساني، واطلاع العالم على النتاج العلمي والفكري العربي ولاسيما في ظل وجود ضعف واضح في المعلومات الرقمية باللغة العربية التي لا تمثل سوءا بنسبة ضئيلة للغاية من المعارف الكلية المتاحة على شبكة الإنترنت وهو ما كان الدافع للبدء في إطلاق كل ما يخدم المحتوى الرقمي العربي ويزيد من حيويته، بل ويتعدى ذلك إلى توفير الأقسام التي تخدم المرأة وأيضاً الأقسام التي تخدم الطفل والفعاليات المصاحبة ومناشط المسارح والقراءة عبر استخدامات حديثة ومتطورة، كما أن تنوع المشروعات التي تتقاطع بشكل جيد مع مراكز تخص المرأة أو الطفل على مستوى المشرق العربي ومغربه باتت ذات فائدة معرفية مشتركة فالجميع يحتاج إلى التكامل، وهذا ما تسعى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة للقيام به بافتتاح فرع لها في المغرب وفي الأشهر المقبلة أيضاً في بكين يعد أهم خطوة في الاتجاه الصحيح فثقافتنا العربية والإسلامية بحاجة لمؤسسات ثقافية تمارس دورها المعرفي والثقافي في التواصل مع المتغيرات والتكيف مع البرامج الثقافية المتنوعة التي نحن جزء منها بموروثنا العريق وتاريخنا الحافل ومستقبلنا الذي يبحث عن إطلالة جديدة من منصات العالم ليقول نحن الإثراء الصحيح والثقافة جزء من تكويننا وأرضنا وديننا وقيمنا.
الفهرس الموحد عنوان للتكامل العربي
وبالإشارة إلى المشروعات التي تبرز دور المملكة العربية السعودية الثقافي فإن ما قدمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة عبر مركز الفهرس العربي الموحد الذي أخذ حيزاً كبيراً في مساحة الكتابة لدى الباحثين العرب، جاء بمثابة تحقيق أهم مشروع عربي ثقافي في العصر الحديث، إذ اعتمد على تجميع الإنتاج الفكري العربي والإسلامي بمختلف مصادره وتنوع مشاربه في قاعدة واحدة وعبر بوابات للدول تنظم كل دولة من خلاله معلوماتها وتراثها، وليس هذا فحسب بل تم عقد شراكة بين مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وإحدى أكبر شركات الحوسبة في العالم، تم من خلالها جمع ما يزيد على 2 مليون لبيانات الكتب والأوعية المختلفة، حيث تتيح رفع كل هذا الإنتاج الفكري وقاعدة بياناته، وتحقق الحلم وبشكل ملفت على يد المملكة العربية السعودية ممثلة بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وأطلقت بوابات الدول العربية بحضور بعض وزراء الثقافة والتعليم في كل تدشين صاحبه احتفال وتكريم، حيث شكل الفهرس الموحد، مبادرة تكامل عربي غير مسبوق وحظي برعاية رسمية رفيعة المستوى، لأن الجميع بحاجة للتكامل والعمل المشترك ولذلك تبعه انضمام مراكز معلومات ومكتبات ومراكز ثقافية في أوروبا وأمريكا وغيرها حتى بلغ أعضاؤه أكثر من 425 جهة، يتبعها ما يزيد على خمسة آلاف مكتبة ومركز معلومات ومنشط ثقافي، مما أوجد ثقلاً معرفياً كبيراً، وأصبح هذا المركز من أهم ما قدم للثقافة العربية والموروث الإسلامي لحفظه من الضياع والتزييف.
المكتبة الرقمية والمشروعات المعرفية السعودية
كما تم قطع شوط كبير للانتهاء من استكمال المكتبة الرقمية العربية الذي يحقق مكاسب ثقافية وأهدافاً عالمية كبرى، بالإضافة إلى أنه يتيح فرصاً كبيرة لإبراز المشروعات الثقافية والمعرفية السعودية والعربية ودعم قدرتها على تحقيق أهدافها، حيث تمثل المكتبة الرقمية مظلة عليا ومنصة تتوج المملكة العربية السعودية من خلالها مبادراتها الكثيرة في نشر المعرفة والدفع بالاهتمام بالشباب العربي والمحافظة على الموروث الإسلامي والقيم الأصيلة، وهذا ما سيمكّن الأدوات المعرفية الحديثة من نشره وتمكين الباحث على معرفته عبر شاشته الصغيرة، إضافة إلى الجدية التي يعنى بها هذا المشروع الرائد من إمكانية أداء المكتبة الرقمية والمشروعات التي قدمتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لدور عميق جداً في النهضة المعرفية والفكرية التي بدأت واضحة وجلية خلال السنوات الأخيرة التي تحدث عنها بعض الوزراء العرب خلال تدشينهم بوابات دولهم التي تطلقها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة كل حين عبر مركز الفهرس العربي الموحد أو عبر فعالياتها التي يحضرها مسؤولون أجانب في الخارج، وهو الأمر الذي يسهم في الحد من الازدواجية وتقليل التكلفة ويدعم برامج تنفيذ الخطط التنموية الوطنية في التحول إلى مجتمع المعرفة، بالإضافة إلى أهمية مشروع المكتبة الرقمية في دعم برامج التعاملات الإلكترونية الحكومية وتيسير الحصول على المعلومات لكل فئات المجتمع إلى جانب المزايا المتعددة للمشروع في تحقيق أهداف الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات في التحول إلى مجتمع معلوماتي ودعم نشر المحتوى العلمي العربي بما يخدم السياسة الوطنية للعلوم والتقنية.
المشاركة في الفعاليات الثقافية والفكرية
وتتطلع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في خططها إلى إبراز دور المملكة العربية السعودية وجهودها في نشر ثقافة الحوار والاعتدال والمعرفة، ولذلك فقد قدمت من المشروعات الرائدة مما أكسبها بعداً مهماً، سواء من خلال المناشط والفعاليات والمعارض ذات الطابع الثقافي والفكري التي تقام داخل المملكة وخارجها، ومنها معرض الحج الذي أقيم في باريس وافتتحه الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، وقبله معرض الحج «رحلة إلى قلب العالم الإسلامي»، الذي أقيم بالمتحف البريطاني في العاصمة لندن، وافتتحه ولي عهد المملكة المتحدة أمير ويلز الأمير تشارلز، وحظيت مشاركة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في رفد هذه الفعاليات ثقافياً ومعرفياً، لاسيما أنها أولت اهتمامها الكبير لتوثيق تاريخ المملكة وتاريخ الملك المؤسس، وبذلت جهودا كبيرة في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي وأبرزته من خلال الندوات والمحاضرات والمعارض والمشاركة في المختلفة، ودعم حركة البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر، وتنمية ثقافة الطفل، وتوفير خدمات المعلومات للمرأة، وتبادل الخبرات مع مؤسسات المعلومات العالمية على مختلف المستويات، وتسعى المكتبة من خلال هذه الجهود إلى خدمة الأهداف الثقافية للمملكة العربية السعودية.
جائزة الترجمة نافذة ثقافية وإعلامية
وجاءت جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للترجمة التي تنقلت بين الرياض والدار البيضاء وباريس وبكين وبرلين وساو باولو ومقر الأمم المتحدة في جنيف وجامعة كاستيا لامنتشا بمدينة طليطلة الإسبانية، والحراك الذي صاحبها في وقت تعاني حركة الترجمة من ضعف كبير، خصوصاً وهي ترتبط بثقافات الشعوب وتفعيل دور الحوار الإنساني والقيم النبيلة وتقارب الأمم عبر ثقافاتها وإبراز موروثاتها، إذ تعتبر هذه الجائزة صوتاً إعلامياً ثقافياً للمملكة العربية السعودية بالمقام الأول، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله في حفل الجائزة الثامن الذي احتضنته إسبانيا: (المملكة العربية السعودية وهي تحتضن قبلة المسلمين الكعبة المشرفة ومهوى أفئدة أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم، وبما تملكه من تاريخ وحضارة وهي تقدم هذه الجائزة العالمية احتفاء بالترجمة والمترجمين إنما تهدف إلى ما يعزز دور المعرفة ويثري الفكر الإنساني المتبادل ويؤسس لثقافة الحوار والسلام عبر الحدود وهي أركان أساسية في رؤية المملكة وما هذه الجائزة إلا وسيلة من وسائل تعزيز المعرفة والحوار أمام دعوى صدام الحضارات وترسيخ الوسطية والاعتدال مقابل الغلو والتطرف وتشجيع والتعايش والسلام بين الشعوب).