لوطن الآمن كحضن الأم الدافئ الذي يحس الطفل فيه بالأمان والحنان، وراحة البال.. فمن أكبر نعم الله على عباده الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، وما عداهما تكملة لإنعامه وأفضاله -جل ثناؤه سبحانه وتعالى- فكل دولة من دول العالم لأهلها ارتباط وثيق بأوطانهم وممتلكاتهم -ويوم مميز يُعْتَزّ به، يبقى ذكره طرياً خالداً في القلوب على مر الدهور وتعاقب الأجيال كما هو حال أبناء الشعب السعودي الآن، متذكرين اليوم الخالد يوم توحيد المملكة رحبة الأرجاء سهولها، وآكامها وجبالها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- ابتداء من يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ بعد كفاح طويل مرير، متوجاً بتوالي انتصاراته على خصومه في كل وجهة يؤمها، فيظفر بتحقيق طموحاته وآماله، وكل ذلك بتأييد وتوفيق من الله سبحانه، ثم بعلو همته وثبات جنانه، وإخلاصه فكم ليلة جاب الصحارى والقفار بها حتى يبدو حاجب الشمس من خدرها مطلاً على الكون الفسيح، ومعه رجال مخلصون أشداء لا تكل أقدامهم في مواصلة السير حتى تحققت آماله في كل ناحية يؤمها من جوانب مملكته العريضة متباعدة الأطراف سهولها وشعابها، بل ومن عاش في كهوف تلك الجبال الشامخات المواكث، وقد علم الله صدق سريرته في لمّ شمل البلاد، وإبعاد العابثين بها، فمنحه هيبة في النفوس عامة، أذلت له أعناق الرجال العتاه، فهو قامة عالية في المضي قدماً -تغمده المولى بواسع رحمته- فأصبحت البلاد بعد تلك الفترة العصيبة الحافلة بالغزوات والانتصارات، وبالكفاح المستمر تعيش في أمان، ثم بدأت الحياة المعيشية في تحسن بتدرج، ومع ذلك كله اهتم برعاية الضعفة والمحتاجين، فأخذ يستورد بعض الأطعمة من خارج الوطن، مثل كندا، والهند، وباكستان وبعض الدول الزراعية، فيأمر بتوزيعها على القرى والهجر، كما فتح بعض القصور للضيافة في مدينة الرياض وغيرها مجهزة بالمطابخ لتقديم طعام الغداء والعشاء للمحتاجين، وللوافدين من خارج الرياض -وهي قصور معروفة ومشهورة في تلك الأزمان جزاه المولى خير الجزاء- فبعدما وطّد أركان البلاد اهتم بمحاربة الفقر بتشجيع أصحاب الفلاحة والزراعة، بإقراضهم ثم إعفائهم بعد ذلك عن تسديد ما عليهم من قروض لطفاً بأحوالهم وتشجيعاً لاستمرار إنتاجهم لتوفير الأمن الغذائي من تمور وقمح، والاهتمام بالثروة الحيوانية، ليعتمد شعبه على الله، ثم على سواعد أبنائه.
حتى -بحمد الله- أصبحت البلاد تصدر الفائض من منتجاتها الزراعية إلى البلدان المجاورة، وتصدير المنتجات البترولية عالمياً، كما ركز -رحمه الله- على محاربة الجهل وتنوير أبناء شعبه بافتتاح المدارس وانتشارها في ربوع المملكة العربية السعودية، وجلب خيار المعلمين من خارج الوطن ليتولوا التدريس، وتعليم الخطوط والكتابة، ثم ابتعاث بعض الشباب النابهين المتفوقين إلى الخارج للتزود بالعلوم الحديثة، كالطب والهندسة وحذق بعض اللغات الأجنبية ليسهل التواصل والتفاهم مع سائر الأمم في السفارات، والقنصليات، والمؤتمرات الدولية، وفي المجالات التجارية وغير ذلك من الأعمال الضرورية، فاستمر هذا النهج العلمي والثقافي عبر توالي ملوكنا الأفاضل حماة وطننا: الملك عبدالعزيز، سعود، فيصل، خالد، فهد، عبدالله، الذين غابوا عن نواظرنا حميدة أيامهم ولياليهم تغمدهم المولى بواسع رحمته ومغفرته، وأسعد خلفهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعضديه الكريمين محمد بن نايف ولي عهده، ومحمد بن سلمان ولي ولي عهده، فعصر -أبو فهد- الملك سلمان عصر حزم وعزم وكفاح، وزمن خير وازدهار وأمان، مع الاحتفاظ بعلو مكانة ملوكنا السابقين -رحمهم الله- وبذل باذخ في مساعدة البلدان الفقيرة والمنكوبة، والدعم السخي للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام والأرامل داخلياً وخارجياً، رجاء المثوبة من رب العباد والسعادة لأبناء شعبه، فهو قامة عالية في العطاء والعطف على المساكين سباق لما فيه الخير، والحث على التآلف والتعاطف بين الشعوب ليعيش الجميع في أمان وتحابب، فقد جمع خادم الحرمين الشريفين الكثير من الصفات الحميدة هبة من الله وتوفيقه، أعانه المولى وسدد خطاه، وأدام على هذا الوطن عزه وأمنه رافلاً في أثواب رخاء العيش ودعته، والسعادة التامة في ظل ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف