جاسر عبدالعزيز الجاسر
المتحوّلون شريحة كبيرة في المجتمعات (المتخلِّفة)، ولا تقتصر على السياسي ولا على حَمَلَة لواء التديُّن السياسي، بل تشمل الكتّاب والمحللين الذين يتنقّلون بين التطرُّف الديني والغلوّ الليبرالي، وعن هذه الفئة نرى العديد ممن بدؤوا حياتهم (الدعوية) بالشُّذوذ الفكري والسلوكي الذي أوصل الكثير منهم إلى القيام بأعمال إرهابية وتكفيرية، فالبعض شارك في عمليات السَّطو على محلات الذهب، ومنهم من رفض وضع صورته على الهوية الوطنية ملتزماً بدعوات تحريم التصوير، والبعض اكتفى بإطلاق لحيته وتقصير الثوب، وأنا لا أتكلم ولا أحصر هذه الظاهرة في بلادنا، وإن أبرزتها بكثرة لمعرفتنا بتاريخ الكثير ممن يتصدّرون المشهد الإعلامي، ولكنها ظاهرة موجودة في العديد من البلدان المتخلِّفة، ومنهم من أصبحوا نجوماً إعلاميين بعد تحولهم، الذي وإن لم يكن أغلبه نابعاً من قناعة أو دراسة متعمّقة، كالذي حصل للراحل المصري الدكتور مصطفى محمود، الذي عكس المتحولين الآن، والذي تحوّل من الإلحاد إلى الإيمان، إلاّ أنّ الدكتور مصطفى محمود، لم يكن متطرفاً في مرحلة الإيمان، وكان داعية تنويرياً عمل على تعزيز الإيمان بالعلم، عكس المتحوّلين الجدد في منطقتنا الذين وصلوا مرحلة التطرُّف، ومثلما كانوا يمارسون التطرُّف إلى درجة المشاركة في العمليات الإرهابية وإقصاء الآخر، نراهم متطرِّفين جداً في مرحلة التحوّل الليبرالية، إذ هم إقصائيون إلى درجة يلغون الآخر، ولا يعترفون بالرأي الآخر، بل أكثر من ذلك يبعدون من لا يسير على أهوائهم، ولتحقيق هذا الغرض نراهم يتكتلون على شكل إقامة حلقات شللية، للسيطرة على المراكز والواجهات السياسية والإعلامية، يقرِّبون من يسير على هواهم، ويبعدون، بل وحتى يحاربون، من لا ينفِّذ أجندتهم التي تعتمد في أغلبها على فلسفة التغريب وإلغاء الأصالة بحجة اعتماد الحداثة والعصرية.
وهكذا مثلما ابتلينا بالتطرُّف والغلوِّ اللذين أنتجهما تيار التسيُّس الديني، انتشر في أوساطنا التطرُّف والغلوّ الليبرالي الذي يرفع تيار شعار (من لم يلتزم بفكرنا ليس منا)، ولهذا فقد عملوا على تكوين جماعات شللية تعمل على توجيه المراكز الإعلامية لبناء قاعدة لهذا التيار، من خلال إعطاء دفّة القيادة والتوجيه للمتحوّلين وتلميع رموزهم، الذين كما ذكرنا أغلبهم بدأ حياته متطرِّفاً وتكفيرياً، ثم ينقلب 180 درجة ليصبح داعية للتغريب والانفصام عن ثقافته العربية والإسلامية وحتى الوطنية، وعلى عكس ما يدّعيه الليبراليون من أنهم يعملون على احترام الرأي الآخر وتنوُّع الاجتهادات والمواقف، نراهم أكثر شراسة في مواجهة ذلك الرأي الآخر، ومع أننا ومعنا الكثير من المواطنين مثقفين وعامة، نقف ونواجه حملة الفكر الضال من الذين يتدثّرون بعباءة الدين لتحقيق أجندات سياسية دمرت النسيج الإسلامي وخدمت أعداء الدين، لا يمكن أن نسير خلف جماعة متطرِّفة أخرى تعيش انفصالاً فكرياً عن مجتمعها وتؤسِّس لثقافة أخرى بعيدة عن أصالتنا، وتستعمل نفس أساليب الفئة المنحرفة بحجة مواجهة تلك الفئة، إذ لا يمكن معالجة الانحراف بانحراف آخر، نعطيه كل الإمكانات ونمنحه واجهة إعلامية لترويج أفكارهم البعيدة عن مجتمعنا.