حسن اليمني
في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن المنصرم كانت الولايات المتحدة الأمريكية اقرب للعراق منها لإيران في ما يشبه حلف بين دولتين لا علاقات دبلوماسية بينمها ومع هذا استمرت الحرب ثماني سنوات دون تحقيق نصر بيّن لطرف على آخر، لكن كانت كافية لاستنزاف البلدين من جميع النواحي، واليوم تمتد الحرب الفوضوية في سوريا خمس سنوات وربما أكثر مع وجود أمريكا وروسيا في تناسق وشبه اتفاق في سوريا سياسياً وعسكرياً دون أن تظهر بوادر النهاية لهذه الفوضى المدمرة.
ما يجري في سوريا لا يوجع أمريكا وروسيا مثلما يوجع تركيا وما تبقى من عرب ومن عارض جانبي إيران ربما، الكيان الصهيوني ليس متضرر بقدر ماهو مستفيد ومتنفع من ديمومة الفوضى في المنطقة، وخلاصة القضية السورية هي أن شعبها ثار على نظام ديكتاتوري مطالب بالحرية والعدالة والعيش الكريم في حين انقض النظام على شعبه بالقتل والتدمير ليعيدة إلى التهجين المستمر منذ أكثر من قرابة الخمسين عام في ظل أسرة آل أسد.
في اليمن وبرغم توافق روسيا وأمريكا على شرعية النظام الممثل بالرئيس هادي إلا أنهما لا ينظران للمخلوع من قبل الشعب وحلفائه الحوثيين إلا باعتبارهم أطرافاً لها حقوق ويتوجب البحث عن حلول سياسية مثلما يراد في سوريا رغم أن هذه الحلول قد نجحت في ليبيا وتشكلت بموجبه حكومة إلا أن ذلك لم ينه الحرب والقتل والتدمير هناك، باعتبار خليفة حفتر خارج التوافق ويحظى بدعم عسكري وسياسي وإن كان خفي من روسيا وأمريكا.
لا يوجد خلاف بين روسيا وحليفتها إيران التي تنشئ أذرع مسلحة في العراق وسوريا واليمن وتدعمها وإن ظهر أحياناً اختلافات في التكتيك إلا أنه يبقى اختلافاً وليس خلافاً، في حين يظهر الخلاف واضحاً بين أمريكا وحلفائها في المنطقة حول هذه القضايا مع تركيا والسعودية بالذات والعجيب أن تتهم هاتين الدولتين ولو بطرف خفي بدعم منظمات إرهابية وهي التي تواجه عمليات إرهابية متكرره، أمر لا يقبله منطق لكنه واقع نعيشه على أية حال، البعض يرد ذلك إلى شخص الرئيس باراك أوباما حتى ظهر من يرجح تشيعه.. لكن الحقيقة أن أمريكا لا يحكمها شخص بقدر ما تحكمها مصالح وأهداف استراتيجية يسعى كل رئيس في تحقيقها بطريقته الخاصه تحت أعين (الكونغرس) ورقابة الإعلام الرأسمالي الذي نأى بنفسه جانباً عن صغائر الوشوشات الإعلامية وتركها لبعض القنوات العربية الهجينه.
إن المراقب لما يدور يشعر بلعبة أممية عميقة غلافها سياسي خادع للأبصار وربما البصيرة لكن مضمونها الحقيقي أبعد من السياسة والاقتصاد بل وحتى الجغرافيا وأكاد أقول إنه يحفر في عمق التاريخ ويرغب في تعديل معطياته وأبجدياته بهدف تهجين أمة تختلف أيدلوجياً معها، لهذا رأينا كيف تم قبول إيران الصفوية رغم التباعد السياسي والعداء الظاهري المصطنع مع الغرب وروسيا حتى وكيف تقدمت روسيا بمؤتمر غروزني جاذبة صوفية العرب لبحث المذهب السنّي، وبالمناسبة غروزني هي عاصمة الشيشان التي اثخنها الرئيس بوتين بالقتل والتدمير حين انطلقت ثورتها الإسلامية السنية لنيل الاستقلال عن روسيا أسوة ببعض الدول المجاورة، العنوان دائماً وأبداً هو محاربة الإرهاب والإرهاب دائماً وأبداً ذو راية إسلامية وهذه الراية دائماً وأبداً هي سنية المذهب حتى لو لم تقترف عملاً عسكرياً واحداً؛ ولكن فقط لأن ظهر لها فكر سياسي كان بحد ذاته كافياً لإدخالها نادي الإرهاب خاصة وأن دولاً عربية كانت سباقة في هذا، واليوم بتنا نسمع حديث عن مذهب وهابي نشط خاصة بعد مؤتمر غروزني وربما يتصاعد في الفترة القادمة، جزئيات متفرقة بين حدث وسياسة وتحالف واختلاف في الظاهر تبدو متفرقة وهي في الواقع وصلة واحدة بعدة وجوه وأشكال وألوان، لا يخلق وحدتها اتفاق بقدر ما هو توافق بنته المصلحة.
الأمر المهم في كل هذا هو أن الحسم عسكرياً في عالمنا اليوم أصبح مستحيلاً حتى وإن اختلف ميزان القوة والتسلح، كما أن وجود أسلحة الدمار الشامل بيد دول تختلف مصالحها وتوجهاتها يبعد شبح الحرب الكونية التي يعرف الجميع أن نتائجها دمار للعالم كله المنتصر والمهزوم، لهذا أصبح الخيار الأفضل هو ترك الفوضى تأخذ مجراها لآخر مدى بشرط محاصرتها في جغرافية لا تتماس وحدود هذه الدول وإن طال بعضها شظايا انتحار يائس فربما عد من باب تزكية النفس بالصدقات بمعنى أن الفوضى الخلاقة حلّت اليوم محل الصديق أو الحليف، والأمر كذلك فإن القوة الحقيقية اليوم هي العمل والإنتاج في ظل منظومة حقوق وواجبات مقننة يتساوى فيها الحاكم والمحكوم لتصبح الدولة كتلة واحدة صلبة تتحطم على حدودها طموحات خصومها كما شاهدناه في فنزويلا مع هوغو تشافيز وفي تركيا مع رجب طيب أردوغان، ما يعني أن كل حاكم طاغي في منتطقتنا العربية هو مشروع فوضى لبلاده وإن تأخر موعده.