د.محمد بن سعد الشويعر
واستكمالاً لما تحدثنا عنه في الأسبوع الماضي، من القسم الأول في مقالنا العقل، فإن كل هذا وأكثر منه، تدركه النفس بتوجيه من العقل، المتيقظ بما يسره الله من هبة ترتفع بالعقل، ليحرك في صاحبه العامل الإيماني المسترشد بنور الله، الذي تنفتح له القلوب السليمة، وكان بعض السلف يدعو ربه بقوله: اللهم ارزقني ما يدلني إلى الخير، ويباعدني من الطريق الذي حذّر منه رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود: ما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه، ولا شراً إلا حذّرها منه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر (أن الله قد خلق عباده حنفاء) أي سليمي العقيدة واجتالتهم الشياطين، ومن هذا ندرك أهمية اختيار القرين والجليس «أو ما يسمى صديقاً عند الشباب» وحتى لا ينحرف الشباب في فترة التفتح العقلي، يحسن الأخذ بأيديهم إلى حسن الصحبة، والسعي في سبيلها، والإعانة في ذلك حتى ينضج عقل كل شاب.
والمثل يقول: الرفيق قبل الطريق، والشاعر يقول:
فكّر لنفسك قبل الخطوِ موضعها
فمن علا خطوة عن غرّة زلقا
لأن من عطّل حاسة التعقل والفطنة من بني آدم، ينصرف به عقله إلى الرغبات والشهوات، ثم المجاهرة بالذنب وكفران النعمة، باستعمالها في غير ما أمر الله به، لأنه لم يستجب لأمر الله فيما شرعه سبحانه، وفي هذا أخبر صلى الله عليه وسلم أن المخلوقات التي مسها الضر، تدعو على العصاة من بني آدم الذين قادتهم عقولهم المنحرفة إلى الطريق المنحرف، فأصبحوا بذلك أضل من الأنعام، والأنعام غير مكلفة ولا محاسبة يوم الجزاء والنشور إلا في الاقتصاص فيما بينها، ثم يُقال لها كوني تراباً، يوم القيامة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، على قوله تعالى:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44) سورة الفرقان، سجل سبحانه ضلالهم البليغ، بأن سلبهم العقول والأسماع، وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة التي لا تسمع إلا نداء ودعاء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، بل هم أضل من الأنعام، فإن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي، وتعرف طريق هلاكها، فتتجنبه وهي أسلم عاقبة من هؤلاء (تفسيره 5 : 483).
فدعوة التفكر مرتبة إيمانية، ترفع الإنسان عن سائر المخلوقات، وقد قال الحسن البصري رحمه الله: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، أما ابن كثير رحمه الله فقد أورد في تفسيره، مقالة للفضيل بن عياض رحمه الله قال: قال الحسن البصري رحمه الله: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، وسليمان الدّراني وهو من الزّهاد فهو يقول في التفكر العام وإعمال العقل: إني لأخرج من منزلي فلا يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة، فهكذا نرى تعاليم الإسلام، وعلماء الأمة قد أدركوا أهمية العقل وحاسته في ترسيخ العقيدة.
فإن المسلم بعد أن اتسعت دائرة العلوم والمعارف، وتيسرت وسائل التقنية والإعلام، والمعارف، وعرف الإنسان من أسرار النفس البشرية كثيراً من الأمور، مع تيسر الثقافة: المقروءة والمسموعة والمرئية، وتيسرت الوسائل الموصلة للثقافات المتعددة.
ومن بينها الطب الذي يكشف كل يوم طرفاً من خفايا الجسم وعلاج الأمور التي كانت مستعصية وغير هذا من الأمور التي تتسارع وتتسابق في تحريك العقل البشري الذي يَحُسنُ بصاحبه، أن يحرك الجوانب الإنسانية النافعة، وذلك بتحريك حاسة العقل، وتيسير نفعه لصاحبه ولدينه حسب أوامر شرع الله، ولا يقف مشدوهاً أمام ما يصدر عن عقول الآخرين، والتي منها الضار أكثر، وإنما علينا معاشر المسلمين أن نقابل سلاح أعدائنا، بسلاح مضاد، كما في الأمور العسكرية.
فعقول أعداء الإسلام منذ القدم تتصارع بمفاهيمها مع عقول الخصوم والبقاء للأصلح والأكثر تأثيراً وقاعدته صلبة، لا يهتز ما بني عليها، وفي هذا قال سفيان الثوري، لمن حاجه بأعمال الآخرين، لهم عقول ولنا عقول، ومرتكزات عقولنا أمكن من عقولهم.
ولئن وقفت عقول بعض أبنائنا منبهرة أمام منتجات عقول الآخرين، فإن أصحاب القُدرات، عليهم دور بتنشيط الهمم ووضع الحوافز، ووضع العقل المناسب في المكان المناسب، حتى نتشبه بالآخرين في رجاحة العقول، لأن مرتكزات عقول المسلمين بالفهم الصحيح غير مرتكزاتهم، كما قال سفيان الثوري: لهم عقول ولنا عقول.
يا مثبت العقل والدين، ثبت قلوبنا وعقولنا على طاعتك.