د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يوم الوطن، يوم وحدة الأرض، والشعب، والثقافة، بقيادة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه-، وتحت راية لا إله إلا الله، هذه الراية العظيمة التي نافح عنها من سبق وسار على الدرب من لحق، راية صفاء العقيدة، طبقاً لما جاء به رسول الحق محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن للملك عبدالعزيز من غاية سوى تلك الغاية، أسس الملك العربية السعودية وهي لا تحوي من الثروات إلاّ القليل، ولم تخرج الأرض من بطنها سوى اليسير، إن كان هناك يسير، ومع ذلك اتّحد الشعب لأنه رأى أن صلاح حاله يكون أكثر تحت قيادة الملك عبدالعزيز، الذي كان يتلمس السعادة للجميع، والأمن والرخاء لكل مناوئ ومطيع، جعل التآلف ديدنه، وذلك نابع من معدنه، فكانت وحدة تمتاز بالحب والتسامح والرفق والأناة وجمع الشمل.
وكأن هذه البلاد بعون من الله وتوفيق، قد قدر لها أن تظهر ما في بطنها، بعد اكتمال وحدتها، لينعم الجميع بنعم الله، ولتعدد تلك الأشكال من النعم، فصفاء العقيدة نعمة، ووحدة الوطن نعمة، والنفط نعمة، ومن أهم تلك النعم خدمة الحرمين الشريفين التي شرف الله هذه البلاد بها.
في عهد المؤسس -طيّب الله ثراه- كانت حروب كثيرة وكبيرة، الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، واحتلال إسرائيل لأرض فلسطين، وحرب ثمانية وأربعين، وحروب تحرير بعض البلاد العربية والإسلامية، وغيرها من الاستعمار، كل هذا والمؤسس -طيّب الله ثراه- يتحرى الموقف الصائب الذي يجنبه الوقوف في مزالق هذه الأحداث الجسام، يقف موقفاً استباقياً من كل حدث دون أن يتنازل عن مبدأ أو أرض.
المواطنون جميعاً وقفوا صفاً واحداً تحت قيادة الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه-، ووقفوا صفاً واحداً خلف من جاء بعده من الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، رحمهم الله جميعاً، وهم اليوم صفاً واحداً خلف قائد المسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي سار على نهج المؤسس، وهو القارئ للتاريخ الذي استلهم منه العبر، إضافة إلى مرافقته الطويلة والقريبة للملوك السابقين رحمهم الله، وكذلك لإخوانه أولياء العهود السابقين سلطان ونايف رحمهما الله.
لقد أتيح لي أن أعيش بعضا من عمري، والمملكة في بداية نهضتها قبل توفر النفط بكميات كبيرة وأسعار مجزية، حيث كانت الطرق والاتصالات والمدارس والجامعات، وغيرها من الخدمات محدودة، وأتيح لي العيش أثناء الطفرة السعرية النفطية الأولى وكيف كان التغير الكبير في أنماط حياة المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأتيح لي أن أعيش بعد أن زالت تلك الطفرة، ثم الطفرة الثانية، وفي ظلها جميعاً كان المواطنون ومازالوا يحملون المحبة للقيادة، يقدرون ما تبذل من أسباب، وما تفعل من خطط وأساليب لاستمرار المسيرة في كل الأحوال.
لقد رسم المؤسس الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه- قواعد لسياسة المملكة العربية السعودية الخارجية، القائمة على بذل الخير للجميع، وإصلاح ذات البين، والوقوف مع حقوق الشعوب، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني، وكذلك الفطنة لكيد الأعداء، والمتربصين بالوطن، ودرء شرهم، بكل وسيلة ممكنة.
رسم المؤسس الملك عبدالعزيز سياسة السعي للسلام، وتلمس الطرق المؤدية إليه، من خلال المنظمات الدولية التي كانت المملكة من مؤسسيها مثل الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، ناهيك عن الجهد المنفرد والدائم الذي قامت ومازالت تقوم به لخدمة الإسلام والمسلمين، والدول العربية، وسائر دول العالم، وقبل ذلك الدول الإسلامية، وهي في هذا تبذل الغالي والثمين دون منّة، أو مردود متوقع.
المملكة العربية السعودية اليوم، مستمرة في هذا النهج الأساسي الذي لا تحيد عنه، كما أنها بفكر جديد قد أوجدت رؤية جديدة لتقديم تلك الخدمات والمساعدات منطلقة من رؤية 2030، وهي أن لا تتوقف عند تقديم الدعم المادي المباشر وحسب، وإنما بناء استثمارات بنيوية على أنماط مختلفة، وفي مجالات متعددة، للاستفادة من الميزة النسبية لكل دولة من الدول المستهدفة بهذه المساعدات، فهي تعمل على التمويل والمشاركة في البنية التحتية للطرق والكهرباء والماء ووسائل الاتصال، وكذلك المنشآت الإنتاجية من مصانع ومزارع وروافد لها وهي بهذا توطن المال لصالح تلك الدول، وتوفر لها فرصة توظيف اليد العاملة، وتدوير المال داخل البلاد، وتصدير ما يمكن تصديره لجلب العملة الصعبة اللازمة لشراء مدخلات الإنتاج.
المملكة العربية السعودية التي تحتفل بيوم الوطن ترى أمامها رؤية إدارية واقتصادية جديدة محددة المعالم والأطر والأهداف، للاستغناء عن الاعتماد الكلي للنفط، واستبداله ببدائل أخرى أكثر استدامة، وهذا يحتاج إلى مزيد من بذل الجهد، وتغير الرؤية التي كانت سائدة، وهذا ما نشهده اليوم، ونرى آفاقه الواعدة تظهر على السطح، في نمط إداري واقتصاد جديد، سيتم جني ثماره رويداً رويداً.
القيادة في يومها الوطني، ورؤيتها الجديدة، كانت صارمة في قلم أظافر من تسول له نفسه المساس بتراب هذا الوطن الغالي، وجنود المملكة البواسل يقفون بكل اعتزاز على حدود المملكة، وبالذات حدها الجنوبي، فخورين بيومهم الوطني، جاعلين منه مصدر دفع للقيام بهذا الواجب المشرف، في ظل قيادة حكيمة غايتها خدمة الدول المجاورة وسيادة السلام في ربوعها.
وفق الله هذه البلاد، وحماها من كل شر.