خالد بن حمد المالك
لم يشأ سمو ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، أن يفوت فرصة هذا التجمع الأممي العالمي دون أن يلقي كلمة تسبق كلمة المملكة التي ناب عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في إلقائها أمس، وذلك خلال اجتماع الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد شارك سموه الإثنين الماضي بالاجتماع العام رفيع المستوى بشأن التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بكلمة ضافية جامعة بكل ما بذلته المملكة من دعم وجهد وعمل في هذا المجال.
* *
حدد سموه في كلمته أسباب أزمة اللاجئين، بأنها ناجمة عن الصراعات العرقية والحروب والكوارث والنزاعات، وفي ضوء هذا التوصيف الدقيق طالب ولي العهد المجتمع الدولي بتوحيد الجهد، والتعامل مع هذه الأزمات بكل مسئولية، والعمل للحد من آثارها السلبية على الإنسانية، وهذا ما كان مقدمة لكلمته المهمة التي حرص فيها على إطلاع المجتمع الدولي على موقف المملكة المساند بكل جهد يعالج الأزمة، مع الاستمرار بتقديم المساعدات للتخفيف من وطئتها على اللاجئين.
* *
وفي كلمة ولي العهد حدد بالأرقام، وسمَّى الأشياء بمسمياتها، وأظهر كم هي المملكة دولة رائدة في مواقفها الإنسانية، انطلاقاً من مواقفها والتزامها بمبادئ تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى السلام ونبذ الإرهاب، ومساعدة المحتاجين، حتى أصبحت اليوم في المرتبة الثالثة بين دول العالم، من حيث حجم المعونات الإغاثية والإنسانية والتنموية، مشيراً سموه في كلمته إلى المساعدات التي قدمتها المملكة خلال العقود الأربعة الماضية، حيث بلغت نحو 139 مليار دولار أمريكي، وهو رقم كبير بكل الحسابات، ويعطي العقلاء انطباعاً عن تحمل المملكة لكامل مسئولياتها وأكثر في المجتمع الدولي دون ادعاء أو منّة، ويؤكد مدى ارتباط المملكة بالدول والمجتمعات إنسانياً من خلال هذه المواقف المقدرة.
* *
وضمن كلمته، نوه الأمير بما يقوم به الملك سلمان بن عبدالعزيز من دعم إنساني غير مسبوق بهذا الحجم للدول المحتاجة في غير المملكة، وتأصيلاً واستمرارية لهذا الدعم وتنظيمه بما يحقق الهدف الإنساني منه فإن إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، إنما يعكس الدور الإنساني المشرق للمملكة على مستوى العالم الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حيث إن توحيد جهود المملكة الإغاثية والإنسانية بدعم المحتاجين، إنما يكرس نجاحات هذا المشروع الإنساني، ويساعد في استمرار عطاءاته، ويرسخ المبادئ التي تعتمد عليها المملكة في سياساتها الإغاثية والإنسانية، وهو ما كان واضحاً وموثقاً في كلمة الأمير محمد بن نايف.
* *
وفي التفاصيل، أشار الأمير في كلمته إلى مجموعة من الحقائق، ومنها: أن المملكة، منذ اندلاع الأزمة في سوريا، كانت في مقدمة الدول الداعمة للشعب السوري للتخفيف من معاناته الإنسانية، وفي هذا الإطار فقد استقبلت المملكة ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن سوري، ولم تتعامل معهم كلاجئين، ولم تضعهم في معسكرات لجوء، حفاظاً على كرامتهم، كما نوه بذلك سمو الأمير في كلمته، بل إنها حرصت على حرية الحركة التامة لهم، ومنحت الإقامة النظامية لمن أراد البقاء في المملكة وهم بمئات الآلاف، وحقهم بالدخول في سوق العمل، والحصول على الرعاية الصحية والتعليمية بالمجان، فقد بلغ عدد الطلاب السوريين بمقاعد الدراسة ما يربو على مائة وأربعين ألف طالب وطالبة، فضلاً عن دعم المملكة ورعايتها للملايين السوريين اللاجئين في الدول المجاورة لوطنهم.
* *
وفي الشأن اليمني، قال الأمير في كلمته، إن المملكة اعتبرت منذ البداية الأشقاء اليمنيين اللاجئين إلى المملكة زائرين، وقدمت لما يزيد عن نصف مليون يمني الكثير من التسهيلات، بما في ذلك حرية الحركة والعمل واستقدام عوائلهم، وأن عدد الطلاب والطالبات الملتحقين بالتعليم المجاني بلغ قرابة ثلاث مائة ألف طالب وطالبة، بينما بلغت المساعدات التي قدمتها المملكة مؤخراً للاجئين اليمنيين في جيبوتي والصومال أكثر من اثنين وأربعين مليون دولار أمريكي، واستجابة للاحتياجات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني الشقيق، فقد قدمت المملكة حوالي خمس مائة مليون دولار أمريكي، لأن المملكة تتمتع بحس إنساني عال، فتتجاوب معه لتقديم كل ما تملكه من إمكانات لكل ما فيه خير للإنسانية.
* *
ولي العهد أنهى خطابه بالدعوة إلى توظيف الدبلوماسية الاستباقية لمنع تفاقم الأزمات، وتحولها إلى صراعات عسكرية يتولد عنها أزمات وكوارث إنسانية، وقال إن المملكة تؤمن بأن الخطوة الأولى والأساسية للتعامل مع مثل هذه الأزمات إنما تأتي لتكثيف الجهود لحل النزاعات القائمة في العالم بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وأن المملكة لن تألو جهداً في مواصلة العمل مع المنظمات والدول المؤمنة بالعمل الجماعي في سبيل تحقيق السلم والأمن الدوليين.