د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** سمع صاحبكم عن حالات اختلاف في الرؤى بين المديرين تجاوزت التجاذب اللفظي إلى ارتفاع الصوت وضجر المشاعر وحدة المواقف أدت إلى خروج بعضهم من الاجتماعات أو حتى قطعها، وربما غضب مرؤوس على رئيس وشقيق من شقيق فتجادلوا وتوتروا ولم يدرِ أحدٌ عنهم إلا من كان معهم؛ فبدَوا أمام الناس متعانقين بالرغم مما في النفس من أوضارٍ أو مضار.
** أمر صحي ولو تغلف بشيءٍ من الضيق والكدر، وحدَّث أحدُهم أنه كان في اجتماع مهم مع شخصية مهمة فتجادلا ولم يُطق صبرًا وغادر الجلسة دون استئذان، وتلاقيا بعد يوم وكأن شيئًا لم يكن، ووعينا لقاءاتٍ بين إخوةٍ وأصدقاءَ يظنُّ المتفرجُ أنها ستنتهي بمدِّ الأيدي بعد الألسنة فإذا هي ملأى بالصفاء وإذا المصلحة العامة هدفُ الفريقين.
** وفي زمن الصِّبا كنا نشهد الأصواتَ الضاجةَ بتجاذبات ذوي الاتجاهات السياسية والدينية المتصادمة وكأنهم في عراكٍ نعيشه اليوم مع مباريات الكرة الحاسمة ونحسب القطيعة بينهم رهنَ كلمتين، ونفاجأُ أن قلوبهم أنقى من فطرية بيئتهم وأفئدة أطفالهم.
** كان الزمن يأذن بإغلاق وإن ندر فيه الانغلاق، وتبدلت الصورة اليوم حين تكثف الانغلاق وتوارى الإغلاق، ولم يعد غريبًا أن تصل خصوماتُ المنازل إلى واجهة الشاشات، وآذانا أن تنكشف سوءاتُنا لأعدائنا، وبدلًا من أن نناقش مشكلاتنا العامة داخل البيت «الوطن» صار فينا من يستعدي الأجنبيَّ أو يتساوق مع رؤيته في توجيه الاتهامات لبنائنا الداخلي بصفته مسؤولًا عن الإرهاب والتشدد والتخلف، وكأنه يمنحُ الشامت والشاتم لغته العائبة كي ترتدَّ بلغةٍ راطنةٍ تسعى لمحاكمتنا وتتمنى الحكم علينا.
** أفرز صراع «الصحوة - الحداثة» أدواءً مزمنةً اخترقت نسيج الوحدة الوطنية؛ فرسم العداواتِ البائسة التي لا تستجيب لشروط الحوار، وصار همُّ الصحويين هزيمة خصومهم ولم يقصر هؤلاء في التأليب ضد أولئك؛ حتى إذا ضعف الأولون استعلى الآخِرون، وربما فجَر بعضهم ففجَّروا مكامنَ الجراح لا لنعالجها في إطارٍ توحدي ذي مصيرٍ متماثل، بل لكي نقدم أدلة إدانتنا للذين يلتقطون كل الخيوط ويتتبعون جميع الإشارات.
** تبادل الناس - عبر الوسائط - مقدمتي رسالتين علميتين مطبوعتين وفيهما ما يسوءُ من الاضطهاد الفكري من تيارين متعارضين ظهرا بموقفين متوافقين دفاعًا عما رآه معتنقوهما خطًا لا يجوز تخطيه، وهنا سفحُ الحرية العلمية التي لا تدين لمؤدلجٍ ومنتهزٍ، واختصرت المقدمتان نتاج الصراع الصحوي - الحداثوي المؤسف.
** نحن اليوم أمام قضية وجودٍ تمس الوطن من نفوده إلى أخدوده ولا تحتمل تصفية الحسابات بين التيارات، بل نحتاج إلى احتواء كل صوت مهما كان متشددًا من الطرفين مادام لم يحمل سلاحًا أو يشعل فتنةً متيقنة؛ فليس للوطن الآمن الملتئم بديلٌ عن اطِّراح التصنيف والاصطفاف في مواجهة الأعداء ذوي القربى والأعداء الجُنب.
** الوطنُ صوتنا وصيتنا.