د. عبدالرحمن الشلاش
صورة تم تصميمها بعناية ثم تمريرها لكافة مواقع التواصل. الصورة يظهر فيها شخصان وقد نبتت شعورهما بشكل مقزز ومخيف يجلسان في غرفة المعلمين بالمدرسة يمثلان اثنين من المعلمين وقد عادا إلى الدوام بعد إجازة طويلة. أحدهما يقول لصاحبه كم لبثنا؟ وفي هذا التصوير إشارة إلى أصحاب الكهف وكم من السنوات لبثوا في كهفهم. أي أن إجازة المعلمين التي بلغت ثلاثة أشهر ونصف بما فيها إجازة عيد الفطر وإجازة عيد الأضحى تشبه في نظر هذا السطحي إقامة أهل الكهف الطويلة في كهفهم.
الحقيقة أن أكثر ما لفت نظري وأزعجني في هذه الصورة كمية السخرية المبالغ فيها والظالمة في نفس الوقت لمعلم قضى عاماً دراسياً متعباً وأصبح من حقه أن ينال قسطاً من الراحة، وأن إجازة المعلم إذا استبعدنا منها إجازتي العيدين وهما بحدود الشهر ويتمتع فيها كافة الموظفين سيتبقى شهران ونصف الشهر ربما يتمتع بها المعلمون الحاليون للمرة الأولى في تاريخهم بصفة استثنائية، وإلا فإن إجازة كافة المعلمين السنوية خلال السنوات الماضية لم تبلغ الشهرين بحال من الأحوال وربما لن تبلغ هذه المدة في السنوات القادمة، وستدخل الدراسة والاختبارات المدرسية تدريجياً في شهر رمضان المبارك.
هل فكر من صمم هذه الصورة في عمل المعلم الذي يقف لتعليم الطلاب 24 ساعة في الأسبوع الواحد يتحمل فيها تعليم أطفال مدللين، أو مراهقين مستهترين لا يملك مع بعضهم حولاً ولا قوة بسبب هشاشة النظام المدرسي وضعفه في مواجهة تجاوزات وكوارث هذا الجيل. وهل لديه فكرة عمن يضحون بالكثير ويتحملون بل ويحتسبون في تربية الأجيال. إن تداول مثل هذه الصور يؤدي لآثار سلبية ربما غابت عن ذهن مصمم الصورة، فإذا كنا دائماً ندعو لإعادة هيبة المعلم وإعلاء قيمته بين طلابه أولاً ثم بين كافة شرائح المجتمع فإن مثل هذه الصور ستقدم المعلم للمجتمع بشكل مهزوز جداً وخاصة أمام الطلاب، وأعتقد أن لدى المعلمين ما هو كافيهم من محاولات انتقاص ومن سنوات طويلة. مرة لمز في رواتب المعلمين، ومرة في خروجهم قبل الموظفين بساعة رغم أنهم يحضرون للمدارس قبل السابعة صباحاً، ومرة في رواتبهم، أو استغلال سلبيات بعضهم للنيل منهم وتشويه صورهم. لا بد من إيقاف هذا العبث حتى ولو كان البعض يراه من باب الدعابة دون أن يدرك انعكاساته السلبية على الأجيال.