هنالك شخص نسيت اسمه، بلغ حده من العنف والكراهية والإرهاب حتى أصبح سلوك العنف والكراهية يقاس به، فمنذ أن تولى سلطة بلاده ألزم أهلها بإصلاحات اشتراكية في أضيق حدوده، وهو العمل الجماعي في الزراعة. ودون مقدمات طرد الناس من بيوتهم ووجههم نحو الحقول الزراعية ليزرعوها، ومن يبدي أي تذمر أو اعتراض فمصيره وعائلته التعذيب والقتل، وفي أحيان كثيرة يستخسر ثمن الرصاصة فيفضل دفن المعارضين وهم أحياء.

وامتد مشروع «إصلاحاته» الاشتراكية إلى الإصلاحات الدينية، فأي شخص يدين بأي دين سواء المسيحية أو الإسلام أو البوذية أو حتى التأثر بأفكار الغرب فإن مصيره القتل أيضاً، فليس هنالك شيء اسمه زواج ولا أسرة ولا أبناء ولا سكن خاص فالكل مملوك للدولة.

قتل من قتل واستجاب من استجاب لهذه «الإصلاحات» وخرج الناس من بيوتهم للغابات والحقول ليزرعوها ويربوا الماشية والدواجن على النحو المطلوب. رجع البعض منهم إلى منازلهم لزيارتها، فما كان منه إلا وأن أحرق منازلهم ليعلمهم أن الإنتاج لا يكون إلا في الحقول فقط وإن العودة للبيوت هو هروب من العمل، ولكي يعلَّم الآخرين هذا الدرس كان مشروعه «الإصلاحي» هو حرق جميع المنازل كي يقطع الطريق أمام من تسول له نفسه العودة إلى منزله.

والمشروع الثالث «الإصلاحي» هو أن من يمرض مرضاً مزمناً أو يصاب بالإعاقة، فعليه أو يُقتل حتى لا تهدر خزينة أموال الدولة على أشخاص لا فائدة منهم.

والمشروع الرابع «الإصلاحي» هو أن أي ثمرة يتم الحصول عليها أو دواجن تؤخذ بغير إذن الدولة فإن مصير آخذها القتل، ولا عجب أن تسمع أن أحداً ما قتل بسبب دجاجة، حفاظاً على ثروة الدولة.

وهكذا توالت مشاريعه الإصلاحية على هذا النحو، حتى جاء يوم كان فيه الفلاحون على موعد مفرح بحصد منتوجهم من الأرز، لكنهم كانوا في الوقت ذاته على موعد مع مشروع «إصلاحي» مفاجي يقضي بحرق جميع الحقول المزروعة وقتل الفلاحين الذين يعارضون هذا المشروع الإصلاحي. وكان المنطق الذكي في هذا المشروع الإصلاحي هو لسببين: الأول هو عقائدي يهدف لتعميق القناعة بأنه لا حقيقة لأي إيمان بأي عقيدة، وأن الدنيا تسير وفق فوضويتها ولا وجود لعدالة إلاهية تمنع هذه الفوضوية، فها هي الدولة تظلم دون أن يحل بها عدل إلاهي، أما السبب الآخر فهو اقتصادي يهدف للتقليل من الإنتاج كي لا يرتفع سعر الأرز والمنتجات الزراعية.

هكذا كانت سياسات ذلك النظام «الإصلاحي» الذي يجعل من الناس قطعاناً طيعة تدخلها الأفران فلا تقول: لا، وتغرقها في البحر فلا تقول: لا. وهكذا استطاع هذا الشخص بمدد من الدول الشيوعية أن يكسر إنسانية شعبه، وهكذا استطاع هذا الشخص أن يتوج بأنه أعلى زعيم قتل شعبه، إذ قتل من شعبه الكامبودي نسبة لا تقل عن ثلث الشعب.

آه، الآن تذكرت اسم هذا الشخص، إنه بول بوت Pol Pot زعيم الخمير الحمر في كامبوديا والذي حكمهما ما بين عام 1975- 1979 والذي سبق وأن عاش في دول الغرب المتحضرة (فرنسا) لمدة لا تقل عن 4 سنوات قبل أن يتولى زعامة بلاده.

هذا الشخص الذي تذكرت اسمه للتو، ذكرني بشخص آخر من المعدن نفسه نسيت اسمه!!!

- جامعة الملك سعود