د. جاسر الحربش
العنوان باللهجة الشعبية أسهل للفهم، لأن الموضوع في صالح الطبقات الشعبية. لولا الخشية من المساءلة الشرعية لاقترحت بطاقة تموينية للمواطنين السمان، وبطاقة تمويلية من (أقول من) القطط السمان. المواطن السمين يأكل أكثر مما يحتاج ويتحرك وينتج أقل من المطلوب ويكلف بلده مصاريف أكثر على الأكل والعناية الطبية. القط السمين يجمع أكثر مما يستحق وبذلك يستهلك طاقات غيره، ويصرف أموالاً أكثر على السياحة والمآدب وتسهيل مجريات الأمور بالنثريات وعلى الفرفشة.
النظرة المتجردة من العواطف الطبقية الانتمائية، والنظر في مصلحة الأجيال القادمة تجعل الفكرة منطقية رغم أنها تبدو غير قابلة للتطبيق، على الأقل في الوقت الحاضر. الدول تفرض البطاقة التموينية على مجتمعاتها لكبح الإسراف وتفادي الانزلاق في المجاعات، وذلك عندما تستوجب الأوضاع التوفير والترشيد والاكتفاء بضمان الكفاية للجميع. تنتفي الحاجة للبطاقة التموينية عندما تتحقق الوفرة والرخاء، بافتراض أن المواطن كائن عاقل يتحكم في مداخله ومخارجه كنتيجة لتربيته الشرعية وموروثه الاجتماعي والحضاري.
لكن ما الحيلة عندما يكون المواطن يتصرف بطرق تتناقض مع المداخل والمخارج، لأن المسؤولية عن تطبيق التزاماته الشرعية والاجتماعية والحضارية ضاعت وتركت لعبث ومفاهيم حديثي النعمة والجهلة من القطط السمان.
بحسبة بسيطة، المواطن الرشيق قد يكلف الوطن على الأكثر زيارة أو زيارتين للطبيب في السنة، وقد تمر السنتان والثلاث بدون الحاجة إلى ذلك. المواطن السمين لديه السكري والضغط والكولسترول وتصلب المفاصل وإجهاد القلب ولذلك هو بحاجة إلى العناية الطبية باستمرار. إذاً، لماذا لا تفرض عليه البطاقة التموينية، للفائدة الشخصية والعائلية أولاً، ثم ردعاً له ولأمثاله وعقاباً لهم على العبث بالنعمة والصحة.
أما القطط السمان وما أدراك ما هي وأين هي، وكيف تجمع وتبدد وتجول في بقاع الأرض وتشتري وترشي وتملك في كل عاصمة من عواصم العالم البيوت والشقق، فهذه مشكلة شرعية قضائية إدارية اجتماعية كبرى.
يعقد المشكلة أن هذه الفئات من القطط السمان تتصدر المجالس في الحفلات والأعراس ويتغنى الناس بكرمها وتبذيرها ويدعون الله أن يزيدها من فضله. لا شك أن البعض، ولكنه البعض القليل فقط يستحق ما أنعم الله عليه به بعرق جبينه. البعض الكثير منهم هو قلب الفساد وصنبور الإهدار ومغارة علي بابا التي لم تنجح هيئات مكافحة الفساد المتعاقبة في فتحها والدخول إلى دهاليزها حتى الآن.
يمكن أن تستقيم الأمور أو بعضها بترشيق المواطن السمين ببطاقة التموين لصالحه، وبترشيق القط السمين باقتراض بعض ما في أرصدته الخارجية والداخلية وضخ الأموال إلى الأسفل، أي هناك حيث لا يوجد بطن منتفخ ولا قط سمين. لذلك يقول العنوان اشفط من فوق وضخ من تحت، وإنما الأعمال بالنيات وكذلك الأقوال.