د.دلال بنت مخلد الحربي
تاريخنا هو مرآتنا الصادقة الذي نرى فيها كل فعل لفرد أو جماعة في بناء الوطن، مرآة تظهر فيها كل الصور بأحجامها المختلفة وحتى أنواعها من فعل حربي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، حتى الجوانب الإنسانية بكل منعطفاتها وأشكالها وأدوارها. وهو أيضا مرآة تظهر فيه مواقف وأخلاقيات ابن هذه الأرض وماجبل عليه من صفات كريمة .
انظر للمرآة ومناسبة اليوم الوطني ستحل بعد يومين لأستعيد صورة إنسانية من مواقف الملك عبدالعزيز الكثيرة، وهذه المرة هي مع الجارة في الجنوب المملكة اليمنية المتوكلية.، والموقف يظهر بجلاء اهتمام الملك عبدالعزيز بقضايا العرب والمسلمين ومساندته لها في أنحاء المعمورة.. ويعود الموقف إلى فترة الحرب العالمية الثانية.
فقد ازدادت الهجرة اليمنية قبيل الحرب العالمية الثانية وخلالها بعد ظهور الكساد والركود في اقتصاد اليمن، ولم تفلح سياسة العزلة التي خطها الأمام يحيى بن حميد الدين حاكم اليمن وقتها لبلاده ولرعاياه في منع المئات من اليمنيين الفقراء من الهجرة سنويا، وكانت عدن منطقة الجذب الأولى لهم، كما كانت محطة عبور لهؤلاء المهاجرين إلى شرقي أفريقيا وجنوبي آسيا وإلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت تتوافر فرص العمل..
وقد أراد الإمام يحيى رعاية مواطنيه المهاجرين خارج اليمن إلا أن عدم وجود تمثيل دبلوماسي خارجي له بسبب تضييق علاقاته بالخارج ورفض تبادل التمثيل الدبلوماسي مع جميع دول العالم بما فيهم بريطانيا التي كانت بالقرب من حدوده الجنوبية في عدن ومحمياتها وكان التوتر يشوب العلاقة بينهما إذ جعل الأمام يحيى من مطالبه بالمحميات أساساً في علاقته مع بريطانيا وواجهت بريطانيا كثيرا من الصعوبات من أجل مقاومة الادعاءات اليمنية في المحمية وعدن وصد غاراتها، عدا صدامات الحدود بين الطرفين..
وفي الوقت الذي كانت فيه علاقة الإمام يحيى متوترة مع البريطانيين كانت علاقاته مع المملكة العربية السعودية هادئة فقد أدى توقيع المعاهدة اليمنية السعودية في عام 1352هـ/ 1934م إلى استقرار الأمور بين المملكتين، وعلى الرغم من محاولة الاغتيال التي تعرض لها الملك عبدالعزيز في حج عام 1353 هـ/ 1935م على يد ثلاثة يمنيين إلا أن هذه الحادثة لم تؤثر في العلاقات بين البلدين وسرعان ما أغفلت تلك الحادثة وتبادل أبناء البلدين الزيارة.
وفي إطار العلاقة الطيبة بين المملكة واليمن اضطر الإمام يحيى في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى البحث عن وسيلة لرعاية مواطنيه خارج اليمن خاصة في بريطانيا ومن هنا كان توجه نحو المملكة العربية السعودية إذ طلب رعاية مصالح اليمنيين في بريطانيا من قبل المملكة العربية السعودية وبادر الملك عبدالعزيز بالموافقة ضارباً المثل على أريحية في التعامل ورغبة صادقة في معالجة مشكلات أقلية عربية لاتملك من يمثلها دبلوماسيا..
وهناك وثائق تحتوي على معلومات تدل على قيام اتصالات بين حكومة عدن البريطانية ووزارة الخارجية السعودية في جده حول هذا الموضوع، وزيادة في اهتمام الملك عبدالعزيز بالطلب اليمني أرسل برقية خاصة إلى حافظ وهبه سفيره في لندن يوصيه بالحرص على متابعة الرعايا اليمنيين في بريطانيا، وقد بادر السفير إلى القيام برحلة إلى سواحل بريطانيا التي يقيم فيها الرعايا اليمنيون باعتبار أن معظمهم كان بحاره، للتعرف على وضعهم ومن ثم العمل على معالجة مشكلاتهم اعتماداً على اللقاء المباشر بهم.
مما سبق يتبين حجم الإنسانية التي كان عليها الملك عبدالعزيز فمجرد قبوله رعاية أوضاع اليمنيين على الرغم من وجود خلاف مع حكومة اليمن نفسها يؤكد أنه كان يحمل حساً إنسانياً وأن مافعله كان أيضاً بدافع انتمائه الإسلامي العميق وعروبته تؤكدها مواقف أخرى كثيرة كانت تصب في صالح الإخاء الإسلامي والإنساني..
كل عام ووطني بخير وكل عام ووطني مصدر اعتزاز..