عروبة المنيف
لباسنا الوطني هو جزء من تراثنا الذي نعتز ونفخر به، إنه هويتنا ووطنيتنا، إنه جذورنا الضاربة في هذه الأرض، هو تشخيصتنا في الأعياد والمناسبات، هو عبق الماضي وجمال الحاضر، هو منا ونحن منه والتخلي عنه أو الانفكاك منه كمن يتخلى عن هويته وكيانه، ولتوطين اللباس أهمية خاصة، حيث يعزز الأصالة ويحفظ التراث ويرفع من حس الانتماء الوطني.
لقد نشرت صحيفة الاقتصادية مؤخراً إحصائية توضح استهلاك المملكة شهرياً من «الأشمغة والغتر»، ما يساوي 22،7 مليون ريال شهرياً، فقد بلغت واردات المملكة من تلك السلعة خلال النصف الأول من العام الجاري فقط نحو 139.6 مليون ريال، واحتلت المملكة المتحدة نصيب الأسد من حجم قيمة الواردات السعودية من تلك السلعة، ما يعادل 55%، تلتها الصين بنسبة 33%، ثم سويسرا بنسبة 10%، وباقي النسب 12% موزعة على وارداتنا من مصر واليابان والتشيك والكويت!، ولم يذكر الخبر مدى مساهمة أي مصانع محلية «كمصنعي دسار ولابلين» الوحيدين، في نسبة الاستهلاك المحلي من تلك السلعة.
تمر المملكة بمرحلة مفصلية تستدعي سرعة التحرك باتجاه الاستثمار في «القطاعات الإنتاجية» والتوجه لتوطين الصناعات، من أجل «توطين الوظائف» ولا سيما أن من أهداف التحول الوطني، «رؤية 2030»، «المساهمه في توليد أكثر من 450.000 وظيفة في القطاعات غير الحكومية بحلول عام «2020» وتوفير الإنفاق الحكومي ورفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي»، بينما الملاحظ أن معظم الأنشطة السائدة في القطاع الخاص بشكله الحالي هي أنشطة ريعية أو «قطاعات ريعية» تعتمد وبشكل أساسي على الإنفاق الحكومي، وعندما قل الإنفاق الحكومي عليها، نتيجة «انخفاض أسعار البترول»، بدأت بالتعثر وقلصت مصروفاتها على حساب استقرار موظفيها، ما أدى إلى تسريح عدد كبير من الموظفين، ومزيد من العاطلين!، ما يتعارض مع رؤية «2030» لتوليد الوظائف، ويشكك بالتالي في إستراتيجية وزارة العمل للقضاء على البطالة.
إن «توطين الوظائف» يكون بالتحول إلى «القطاعات الإنتاجية» التي لا تتأثر بالإنفاق الحكومي والقادرة على توليد الوظائف وخلق فرص لإنشاء «صناعات إنتاجية مكملة»، ويتحقق ذلك من خلال «توطين الصناعات المحلية»، وأقلها تلك الصناعات البسيطة التي لا تحتاج إلى خبرات وتقنيات عالية، إنها كسوتنا، لباسنا، هي ليست بطائرات ولا سيارات ولا صواريخ، وتحضرني مقولة للحكيم جبران، «ويل لأمة تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع». فلنبدأ بكسوتنا ولنكتفي بها ذاتياً، فتلك الصناعات البسيطة تلعب دوراً هاماً في الاستقرار الوطني ولا سيما أن العديد من تلك الصناعات البسيط’ «كصناعة الأنسجة» مثلاً تدخل فيها البتروكيماويات كمواد خام ومتوفرة لدينا وبأسعار منافسة، فالأشمغة والغتر على سبيل المثال تدخل في صناعتها مادة البوليستر بالإضافه للقطن وتلك المادة هي منتج بتروكيماوي، فلماذا لا يكون «زيتنا في دقيقنا»؟، إن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والتشجيع عليها هو استثمار في أبنائنا، في استقرارهم، وفي انتمائهم.