سعود عبدالعزيز الجنيدل
في رأيي أن الثنائية مال / تكنولوجيا، ثنائية غريبة، وتثير الدهشة، في هذا المقال سأحاول مشاركتكم دهشتي.
يبدو من الوهلة الأولى أن أحدهما لا يستغني عن الآخر، أو يكون له وجود دون الآخر، فالعلاقة بينهما براغماتيكية لحد النخاع، وإن اختلفا في بعض الأمور.
أكاد أجزم أن التكنولوجيا المتطورة، والمتقدمة لا يمكن أن تُختَرع إلا بوجود المال، إضافة لأمور عديدة مثل: البيئة المناسبة، والمراكز العلمية، والعقول العظيمة، يرافقها نظام يسمح بتوفر هذه الأمور.
ويمكن القول إن التكنولوجيا تكن في حاجة ماسة لهذه الأمور الآنفة الذكر، وكما ذكرت سالفا منها المال، فلكي تبتكر تكنولوجيا أيا كان مجالها: طبية، أو صناعية... تحتاج إلى دعم قوي يساند، ويساعد في اختراعها.
وبعدما يتحقق ذلك، تصبح التكنولوجيا في غنى شبه تام عن المال، فهي ستجلب المال، فمثلا يقول العالم المصري أحمد زويل -رحمه الله-: إن اختراع عقار طبي (drug) يكلف مبالغ كبيرة، ولكنه سيحصل مبالغ أكثر بكثير من تكلفة إنتاجه، خصوصا إذا كان هذا العقار الطبي لا وجود له في العالم، ويؤدي إلى نتائج طبية، وتحتاج له البشرية.
ومثل ذلك في مجال الصناعات العسكرية، فالشركات العسكرية تبتكر أسلحة، وطائرات... إلخ تستخدم في البلد الذي صنعت فيه أولا، وتدرُّ أرباحا طائلة، وقد يسمح لها بالتسويق خارج حدود البلد -إذا وافق السياسيون على ذلك- فتحقق أرباحا مضاعفة، وأكثر بكثير من تكلفة الإنتاج والاختراع.
إضافة إلى الأرباح التي تحققها التكنولوجيا المتطورة، والتي تساهم في اختراعات أكثر تطورا وتقدما من الصناعة السابقة، فهي تمنح القوة، للدولة التي تنتج فيها، وتجعلها قادرة على التحكم في بلدان العالم، كما تجعل العالم يتسابق لكي يشتري منها، وهي بذلك تحقق عدة أهداف من ضمنها: التربع على عرش العالم في القوة، والتطور، وتجعل العالم يركض خلفها دائما، وأبدا، ولا يمكنه بحال من الأحوال التفوق عليها، وسيظل متأخراً عنها بمراحل.
فالتكنولوجيا تستخدم المال في بدايتها كوسيلة مهمة، بعدها تستغني عنه، وتتمكن من جلب المال بنفسها، لكن المال لا يستطيع لوحده جلب التكنولوجيا، فهو يظل وسيلة لتحقيق شيء ما، ولا شيء غير ذلك.
كم أسعد عندما أقرأ أو أسمع أن المملكة عقدت صفقة ما، أو قامت بشراء أجهزة طبية متقدمة، من الدول المتقدمة، وهذا يجعلنا متقدمين على دول كثيرة ما عدا بالطبع الدول التي قمنا بالشراء منها، فقطعا لن نستطيع التفوق عليها، وسنظل خلفها دائما، وما سيجعلني أكثر سعادة أن نتمكن من الإنتاج بأنفسنا، وأن نسير معهم.
إذن من المهم كثيرا استخدام المال في إنشاء مراكز متخصصة في شتى المجالات: العلمية، والصناعية... وبهذا نكون قادرين على التقدم، ومزاحمة الدول المتقدمة، وعندما يتحقق ذلك سنكون في مصاف هذه الدول، ونسير جنبا لجنب معهم.
ولو أطلقت العنان لمخيلتي، فسأرى هذا العالم المتقدم يرسل أبناءه لكي يحصلوا العلم من عندنا، وأيضا سيتمنون عقد الصفقات معنا، وكل أملهم، وطموحاتهم أن ينالوا رضانا.
هذا الحلم ليس بعيد المنال، أو مستحيلا، كل ما يحتاجه هو الإرادة السياسية القوية، والطموحة، وهذا بالفعل ما نملكه تحت قيادة ملك الحزم والعزم الملك سلمان بن عبدالعزيز آلِ سعود -حفظه الله- ونائبيه.
أخيراً..
ثنائية مال/ تكنولوجيا ثنائية نفعية بالدرجة الأولى، ولكن التكنولوجيا تتنصل من هذه العلاقة بعد أن تحقق غاياتها، وتصبح قادرة على جلب المال، ويظل المال مهما بلغ وسيلة، لا يستطيع لوحده جعلنا في مصاف الدول المتقدمة.
التكنولوجيا تجلب القوة، والاحترام، والتقدير، وتجعل الآخرين يفكرون مليا قبل أن يتخذوا أي قرار، وهذا الأمر أراه قابلا للتحقق في حقبة ملك الحزم والعزم.
ملك، إذا فُوّقت نَبلُ العَدّو لَنا
رَمَتْ عَزائِمَهُ مَن باتَ يَرمينا
عَزائِمٌ كالنّجومِ الشُّهبِ ثاقِبَة
ما زالَ يُحرِقُ منهنّ الشّياطِينا
أعطى، فلا جودُهُ قد كان عن غلَطٍ
منهِ، ولا أجرُهُ قد كان مَمنونا
كم من عدوِّ لنَا أمسَى بسطوتِهِ،
يُبدي الخُضوعَ لنا خَتلاً وتَسكينا