أحمد المغلوث
كانوا ثلاثة في السيارة اليابانية الجديدة ورابعهم صاحب السيارة الذي كان يقودها بانسيابية بين غابات النخيل في وسط الواحة الغناء. وصل طريقا فرعيا فأرسل نظره حواليه ليتأكد خلو الطريق من السيارات والعربات القادمة منه، خصوصا والعديد من قادة السيارات الشباب ينطلقون بدون روية ولا اعتبار للقادم من هنا أوهناك.. وأسرع يعبر الطريق الرئيسي مخترقا الطريق الفرعي وإذا بسيارة بكب منطلقة كادت ترتطم بسيارته متجهة للطريق العام ولولا أنه انحرف عنها سريعاً لكانت اصطدمت به.. انحرافه السريع في الطريق المترب وعبور سيارة الشاب المتهور أثار كمية من التراب الذي تحول بسرعة إلى سحابة من غبار غطت جسد السيارة وتحول لونها الأبيض المشرق إلى لون ترابي مغبر. انحرافه المفاجئ وغير المتوقع أطلق صرخات ودعوات من أصحابه.. انتبه.. يا الله.. الحمدلله.. بل وحتى لعنة طاردت سائق البكب..
بسرعة أوقف السيارة واعتدل في جلسته أمام المقود وراح يحرك مساحات النافذة ليزيل كمية التراب المغبر الذي غطاها بصورة عجيبة، وحول المنظر الذي يرى من خلالها إلى لوحة تجريدية غريبة تكونت من موجة غبار استمرت لفترة طويلة..؟!! كانت ساعة السيارة تشير إلى الرابعة والنصف مساء عندما قال صاحبه الذي يجلس إلى جواره وهو يمسح الغبار عن وجهه بطرف غترته.. الله سلم يا بوصالح.. وإلا كان وقع حادث فظيع.. ؟؟ فأجابه أبو صالح وهو يلتقط أنفاسه ووضع يده على حزام السلامة المشدود على صدره.. نعم: الله سلم والحمدلله.. كيف لوكنت زايد السرعة قليلا.. سرعتي كانت ما بين الثمانين والستين خصوصاً في مثل هذه الطرق الزراعية الثعبانية لا تستطيع أن تقود بسرعة خلالها.. فالسائق فيها عليه أن يتوقع مختلف المفاجآت.. سيارات.. شاحنات.. عربات وحمير.. ومهما كان التقدير.. فهناك فئة من الشباب الطائش الذي يحتاج لتوعية مكثفة..؟! فقال الذي يجلس خلفه أبو فهد وهو ينظف زجاج نظارته بطرف غترته.. وزد على ذلك تأديب.. وأضاف: ألم تلاحظوا كيف انطلق أمامنا مثل (الزهبة) الطائشة.. نعم زهبة طائشة أحسنت التعبير يا أبي فهد.. شباب اليوم وحتى لا أظلمهم بعضهم هكذا.. جاهز.. متوتر.. متحفز.. للانطلاق وللطيش.. وحتى نفسه باتت لا تهمه.. فكيف تريد منه الاهتمام بالآخرين.. لذلك عندما يقود سيارة مثل هذا الشاب المتهور.. يقع منه مثل هذا التصرف الأهوج وأكثر.. نعم نعم هذا كلام صحيح، قال ذلك صاحب السيارة وهو ينطلق إلى استراحتهم وقال.. أعتقد أننا جميعا بحاجة الآن إلى أن نرمي أجسادنا في داخل بركة الاستراحة لنغتسل من الغبار.. ومن تصرفات شاب طائش كاد يسبب لنا حادثا ودمارا..؟!!
تغريدة: مع بداية العام الدراسي تعود بنا الذاكرة: كيف كنا نجلس ونحن صغار في عز البرد لنغتسل ونتناول ما تيسر من الأكل، ونسير مسافات لمدارسنا بشوق ولهفة؟!