أ.د.عثمان بن صالح العامر
لم يكن التشيّع في صدر الإسلام إلا مجرد موقف سياسي معروف بعد استشهاد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وحادثة التحكيم بين معاوية وعلي -رضي الله عنهم أجمعين- التي ذكرتها كتب التاريخ بالتفصيل، ولكن سرعان ما تحول هذا النزوع لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى أيديولوجيا دينية تكاملت شكلياً عبر التاريخ الإسلامي المديد، وهي في جذرها التكويني ترى أن عليًا -رضي الله عنه- أحق بالخلافة، ولا يمكن تولية المفضول في ظل وجود الفاضل الذين هم آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد علي -رضي الله عنه- إذ إن الإمامة عند الشيعة بالنص وليست بالاختيار، وهي في الاثني عشر إماماً المتسلسلين عندهم، مع خلاف بين مدارس التشيع في الأسماء -كما تذكر ذلك كتب الفرق والمذاهب الإسلامية-.
جاء آية الله الخميني في العصر الحديث فقال بـ»ولاية الفقيه» حتى يخرج الإمام الغائب، وهو هنا ينقض قاعدة أساسًا من دين الشيعة الذين يعتقدون أن ولاية آل البيت دون غيرهم حق منزّل من الرب، ولا يمكن أن ينتقل هذا الحق المقدس لغيرهم، حتى وإن كان الشخص الذي ستسند له الولاية من فقهاء المذهب.
ها هم اليوم يأتون على أصل آخر من أصول المذهب، ألا وهو (الحج لمكة المكرمة)، فبعد أن صرفوه عن مقصده الأساس طاعة للخميني ونزولاً عند هرطقته، يحجّون هذا العام لكربلاء، ويقفون فيها يوم عرفة استجابة لأصحاب العمائم السود الذين طوّعوا الدين للسياسة حتى ركبته فأرهقته إن كان ثمة دين معتبر أصلاً، وينزلون عند رغبة السلطات السياسية الإيرانية الصفوية الفارسية المستفيدة سياسياً واقتصادياً من هذا الصنيع.
الطامة الكبرى التي ليس لها طب أن يأتي نوري المالكي لينازل وينافس «الخامنئي» ويفتي بالحج لكربلاء العراق بدلاً من مكة المكرمة هذا العام، مطالباً بتغيير القبلة إلى كربلاء والصلاة باتجاهها خمس مرات، وكأن هذا الأمر فرض بشري يمكن أن يتبدل ويتغير بقرار مناقض من أمثال المالكي.
إن هذه التراكمات من الانحرافات الخطيرة عن أصل مذهب التشيع جراء الصراعات السياسية اليوم حري بها أن تدفع عقلاء الشيعة للتوقف والتفكير الجاد في مكونات الأيديولوجيا التي يؤمنون بها من جذورها، فالدين ليس ملكاً لأحد ولا هو خاضع للأهواء ولا يمكن أن تصرّفه السياسة كيفما اتفق، والمسؤولية فيه وإن كان فيها شيء من الجماعية فإنها في الأساس مسؤولية فردية وسيحاسبك الله عز وجل وحدك، ولن ينفعك حينها أصحاب العمائم أو الساسة أو غيرهما من البشر.
إننا في وقت سهل فيه الوصول للمعلومة، وتيسّر الحصول على الجواب، وما على الإنسان إلا أن يفرغ ذهنه ويجتهد في البحث عن الحق المستند إلى الدليل الصحيح والبرهان الناصع، وسيراه أبلج أمامه بإذن الله، إذ «إن على الحق لنور» كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.