د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
كانت صورتنا النمطية نحن كعرب حتى أوائل ستينات القرن الفائت أننا كرماء، وشجعان، ورومانسيون. لكن صراعنا مع الصهيونية، جعل هوليوود تعمل ليل نهار على تشويه هذه الصورة فحولت الكرم إلى تبذير، والشجاعة إلى وحشية، والرومانسية إلى هوس حسي بالجنس. أي أنها أرجعت صفاتنا النبيلة إلى أصولها البدائية الهمجية التي لا تدل على ذكاء أو أي عمق حضاري بل تدل على إنسان يعيش عصر ما قبل الحضارة. فكثير ممن ينظرون للعرب في الغرب يرونهم وكأنما هم ولدوا أمس، أو أنهم يتكاثرون كالحيوانات البرية. وتم التشويه بصورة منهجية مستمرة متكاملة: سينما، عروض تلفزيونية، دعايات، برامج شبه وثائقية، وكملت جوقة التشويه الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى. ولم تُجابه هذه الحملات، العنصرية شكلاً ومضموناً، بأي مقاومة عربية منظمة أو جهد إعلامي مضاد يذكر.
الغريب أن هذه الصورة الإعلامية تركزت بشكل خاص مؤخراً على عرب الجزيرة العربية فقط لعدة أسباب. أولها أنه ينظر لعرب الجزيرة العربية على أنهم الأصل، فالمصري يستطيع الإدعاء بأنه مصري فقط، والعراقي عراقي، والسوري سوري، والجزائري جزائري وهلم جرا، دونما ذكر لكونه عربي. ثانياً، ما حصل مؤخراً من حملات إعلامية تشويهية ضخمة للمنطقة عموما والعرب خصوصاً بسبب ما سمي بالحرب على الإرهاب. أما العامل الثالث وهو المحزن حقاً فهو تصرف بعضنا في الخارج بشكل فيه الكثير من البذخ والتعالي مما جعل هوليوود تبدو صادقة في كل ما تنشره عن العرب بأنهم شعب متعه لا تتجاوز المتع الحسية فقط. هذا مع أن الإنسان السعودي المعتدل يعتبر من ألطف السواح وأكثرهم تسامحًا في الخارج.
تغيير الصورة المغلوطة عنا يتطلب عملاً وجهداً كبيرين من كافة أطياف المجتمع، لكنه أولاً يتطلب جهداً توعوياً على كافة المستويات. ولكن القضية لا تتعلق بالماضي فقط بل وبالمستقبل أيضا. فغيوم الأفق ملبدة بالحملات الإعلامية الغاشمة ليس على الإسلام عموماً، ولا العرب كافةً، بل على السنة بشكل خاص وعرب الجزيرة تحديدا. وقد بدأت تهيئة الأجواء شرقاً وغرباً لذلك، وما مؤتمر قروزني إلا البداية فقط. وقد بدأت وسائل الإعلام الغربية تكرر «مصطلح الوهابية» وتشطينه بشكل مستمر لتشويهه ثم إلصاقه بعرب الجزيرة على أنهم لا يمثلون السنة بل أنهم ليسوا منها لأنهم وهابيون لا يمثلون إلا مذهبهم. وما السماح لوزير خارجية إيران جواد ظريف بمقال في النيويورك تايمز عن السعودية إلا جزء من هذا الجهد. ولكن الأخطر من ذلك هو سماح الكونجرس لضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية للمطالبة بتعويضات عن هذه الأحداث بعد كل هذه المدة وبعد نشر تقرير الملحق السري للجنة التحقيق في الأحداث الذي لم يثبت أي علاقة سعودية بالأحداث!!
ويمكن حصر الأهداف الحقيقية من تحركات الكونجرس في ثلاثة أمور: الإعداد لحملة إعلامية ضخمة تحيي في أذهان الأجيال الجديدة أحداث 11 سبتمبر مرة أخرى؛ محاولة عزل المملكة وممارسة الضغط السياسي عليها لتهيئة المسرح السياسي لإبراز القوى الشيعية؛ ابتزاز المملكة مادياً بالحصول على تعويضات ضخمة جداً لثلاثة آلاف ضحية أمريكي وذلك باقتصاصها من أموال السعودية في سندات الخزينة الأمريكية، وإذا عرفنا أن تعويضات ركاب طائرة لوكربي وهم لا يتجاوزون المئتين راكب فقط بلغت أكثر من عشرة مليارات دولار فعلينا أن نتصور حجم التعويضات التي سيطالب بها الكونجرس لضحايا 11 سبتمبر. هل التصدي لهذه الحملات صعب؟ الجواب نعم ولكنه ليس مستحيل. ونحن ليس لنا خيار سوى تصعيد جهدنا الإعلامي الخارجي اعتماداً على إمكانياتنا الذاتية وكوادرنا السعودية، وحتى ولو كانت الطريق طويلة علينا أن نتخذ الخطوات الأولى الصحيحة.