رأيت إحداهن وهي تتحدث بألم عن طفلها ذي الثمانية أعوام.. وعن تعذيب والده له بعد أن طلقها.. تقول أنا من طلب الطلاق منه لسوء سلوكه.. وقسوته في معاملته لي.. مع أنني لم أدخر جهداً في سبيل الإصلاح من حالنا.. والحفاظ على ما كان بيننا لكنه لا يتجاوب مع محاولاتي.. ولم يتغير إلا إلى الأسوأ.. فطلبت الطلاق.. واشترط بأن يأخذ الطفل فوافقت مكرهة لصعوبة العيش معه..
غير أنني ما سلمت من شره.. صار يضرب ابني ويقسو عليه لينتقم مني..
ثم إنها أمسكت بطفلها ورفعت قميصه عن جسده النحيل لتريني حروقاً بظهره.. قديمها قد شفي.. وحديثها لا يزال رطباً ملتهباً.. وعلى أكتافه وأجزاء من ظهره رأيت خطوطاً حمراء ببعضها آثار من دماء..
تقول والدته.. إن ما ترينه هو بفعل والده كلما أراد أن يحضره لي.. ليحرق قلبي ثم إنها أسمعتني تسجيلاً بهاتفها الجوال للطفل وهو يصرخ ويتوسل إلى والده..
[خلاص بابا خلاص]
إذ والده يتصل بها ثم يضرب الطفل لتسمع صراخه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله تلك الحادثة يا أحبة أرعبتني.. وأدمت قلبي على مصير طفل بريء قدره أن يكون ضحية لخلاف بين والديه.. ولقسوة قلب أب وجد في تعذيبه سبيلاً إلى الانتقام من والدته..
وهذا طبعاً حسبما قالته والدته.. إذ إن تلقي الخبر من طرف واحد.. يجعل الجزم بشأنه أمراً صعباً..
أشار عليها الكثيرون بأن ترفع عنه لأصحاب الشأن.. لكنها ترفض بحجة خوفها على طفلها منه.. تقول.. والله لا آمنه أن يقتله
ووالله يا أخوتي.. لو ما رأيت ولا سمعت بنفسي لقلت هذه حكاية ملفقة مغرضة..
فنحن مسلمون وديننا دين الرحمة والتسامح..
ديننا شمل حقوق الإنسان بكافة وجوهها.. واعتبرها ضرورية واجبة.. وهو بهذا قد سبق القوانين الوضعية التي وضعها البشر وركزوا فيها على الجوانب المادية أكثر من الجوانب الأخرى.. وبرغم ذلك ما خلت من النواقص - إن أول حق للطفل في الإسلام على والده قبل أن ينجبه.. هو حسن الاختيار لأمه قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه [تخيروا لنطفكم] وقال: [عليك بذات الدين تربت يداك] _كما اعتنى به وهو جنين في بطن أمه فحرم قتله.. وجعل على من تسبب في قتله منهما.. دية قتل نفس_ أيضاً من عنايته به وهو جنين.. أن أباح الفطر للحامل في رمضان لتغذيته.. وكذلك المرضع _وحفظ حق الطفل في النسب.. بدءاً من عقد الزواج بين والديه..
_ وحقه في الرضاعة.. قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (233) سورة البقرة_ وحقه في الحضانة.. حيث جعل حضانته لأمه إذا طلقت ولم تتزوج بآخر _ وحقه في النفقة.. حتى وهو جنين في بطن أمه المطلقة.. إذ ينفق عليها والده حتى تضعه قال تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (6) سورة الطلاق_ وحقه في التربية الصالحة والصحيحة.. قال تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (6) سورة التحريم. وقال صلى الله عليه وسلم [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته] متفق عليه - وحقه في الحياة.. قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} (8) {بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (9)سورة التكوير. وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (151) سورة الأنعام
ورسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- وهو خير قدوة لنا.. كان يحنو على الأطفال ويعطف عليهم.. ويمنحهم جانباً من اهتمامه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الأقرع بن حابس أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنه من لا يَرحم لا يُرحم] وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها] رواه البخاري.