د.عبدالعزيز الجار الله
المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام عن موسم الحج عبر القنوات والمحطات الفضائية وأجهزة التواصل الاجتماعي للتنظيمات الأمنية وتفويج الحجاج الناجح، وحوارات القيادات الأمنية لوسائل الإعلام، وعمل وتضحيات الجنود في المشاعر المقدسة في الحرم المكي ومشعر عرفات ومزدلفة ومنى ورمي الجمرات، وفي حركة الحجيج منذ قدومهم إلى مكة المكرمة حتى مغادرتهم الأراضي السعودية من المطارات والموانئ والمنافذ البرية، كافية لنقل الصورة عن جهود السعودية لرعاية حجاج بيت الله.
هناك صور أخذها الحجاج عبر جولاتهم الخاصة لجنود في الميدان، أوضحت عمق التضحيات الشخصية التي نبعت من دواخل الجنود الذاتية، يرجون رضا الله وعزة وطنهم تأكيدًا لأصالتهم الشخصية، وحسهم العميق الذي تشربوه عبر تاريخ أرضهم التي علمتهم التضحيات.
دولتنا السعودية في العصر الوسيط والحديث، التي بدأ تاريخها من منتصف القرن الثامن عشر 1744م، والدولة المعاصرة التي بدأت من أوائل القرن العشرين 1902م، هي امتداد سكاني وثقافي لسكان هذه الأرض، هم القيادات والسكان الذين حملوا في قلوبهم وضمائرهم استشعار المسؤولية الدينية.. حملوا مسؤولية نقل الرسالة المحمدية والدين الإسلامي إلى شعوب الأرض، وهذا أكبر وأفضل عمل ومسؤولية يمكن أن يقدمه الإنسان للآخرين.
الجنود الذين يتسابقون على خدمة الحجيج تحت لهيب الشمس في ظهيرة سبتمبر الحارقة، وفي ظلمة الليل، وفي عيون الفجر، وفي أنفاس الصبح وعسعسة الليل، يعملون لا يرجون سوى رضا الخالق، ثم حماية الأرض والقيادة والرضا عن النفس المطمئنة؛ لأن لهم تاريخًا ضاربة جذوره في سجل دولة الرسول الأعظم التي تأسست في المدينة المنورة، والخلافة الراشدة وما تلاها بعد ذلك من قيام الخلافات الإسلامية التي عملت لصالح الإسلام.
تاريخنا متأصل في خدمة الحجيج، والشعب السعودي تربى على خدمة ضيوف الرحمن، أبرزها زمن المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي جعل من أمن الحج أهم الأولويات، وخدمة ضيوف الرحمن مقدمة على جميع الأعمال, وأصبحت خدمة الضيوف ثقافة دولة وثقافة شعب؛ فالجنود الذين قدموا التضحيات عملوا بدينهم وإيمانهم العميق إخلاصًا لضمائرهم وسجلهم التاريخي وغايات دولتهم. والكاميرات الشخصية من الحجاج التي رصدت ونقلت هي - بإذن الله - ضمائر مخلصة، تنقل الصورة الحقيقية عن حكاية دولة وشعب.