عبدالعزيز السماري
أضافت النظرية النسبية عنصر الزمان إلى أبعاد المكان الثلاثية، وكان ذلك مدخلاً لتغيير النظريات الكلاسيكية، ونتج عنها تحديد أكثر دقة لحركة الأجسام في الفضاء، وعندما نحاول تقييم تاريخ البشرية من خلال تلك النظرية، قد نفهم أكثر ماذا يعني عنصر الزمان في هذه المعادلة.
قد تساعدنا هذه النظرية في فهم لماذا انطلقت شعوب في مسارها التطوري أكثر من غيرها، ولماذا توقفت أخرى عند نقطة محددة، أو أنها تتحرك بسرعة متناهية في البطء، مما يعني أنها حسب الزمن تعيش في غير زمنها، أو أنها تنتمي كلية إلى الزمن الماضي، وتتحرك في بعض الأوجه في اتجاه معاكس لحركة التاريخ.
في مختلف حضارات العالم هناك نمو متسارع في اتجاه المستقبل، وتظهر حركتها حسب أبعادها الزمكانية إيجابية، وتستثمر دوماً في تطوير عقولها وأبحاثها وأنظمتها وتعليمها وصناعتها وحقوقها وحريتها ليتوافق مع الهدف المتوقع الوصول إليه.
تبدو الصورة في الشرق المسلم مضطربة جداً، ووصلت إلى حد التصادم في بعض مناطقها بين قوى الزمكان الماضوية والمستقبلية، وقد تأخد هذه المرحلة مساراً زمنياً كاملاً، للخروج من حالة الدوران، إما في اتجاه الخلف بعد انتصار قوى الزمن الماضي، أو في اتجاه المستقبل إذا حدثت، وانتصرت حركة المستقبل.
إشكالية الأزمة في الشرق المسلم تدو حول الموقف من العقل، فالعقل حسب تجربتهم القديمة عضو مضطرب، ومحدود القدرات في التمييز بين الحسن والقبيح، بينما تحولت الحضارات التي اهتمت بالعقل الإنساني إلى دول تسود الأرض والفضاء.
العقل الإنساني قادر على التطور والتحول إلى قدرات أكثر كلما واجهته تحديات بيئية بمختلف أوجهها، فالتجارب والتحديات تجعل منه أكثر ذكاء، والعقل في هذا العصر أكثر ذكاء وتطوراً من العقل قبل قرون.
العلم نتاج عقلي ومصدره التجارب والخبرات الإنسانية، كذلك كانت ولازالت الخبرات العقلية الإنسانية مصدراً لتطور القوانين والأنظمة والاكتشافات العلمية، وهو ما يعني أن الحراك إلى الأمام في مسار التاريخ يقوده العقل الحرّ غير المضطرب، والذي يفكر ويقدم الحلول، ويكون مثابة البوصلة للمجتمعات.
قد ينحرف العقل عن مساره الطبيعي عند محاولة التأثير على العقل أو إجباره على الإيمان بحقائق جامدة تحد من تطوره، ويجد المخرج في حل ازدواجية التفكير في اتجاهيين متنافرين، وذلك ليتأقلم مع حصار السلطة، وذلك خوفاً على حياته.
لذلك يعد اضطهاد العقول المنجزة والمبتكرة والمتطورة أو إهمالها سبباً رئيساً لتخلف المجتمعات عن مسارها الزمكاني نحو المستقبل، وعادة ما يكون السبب عدم الثقة في تلك العقول أو التشكيك في ولائها، وهو ما يفتح الفرص أمام أنصاف الناجحين وأنصاف العقول وأنصاف الحلول لتقود المجتمع في اتجاه مغاير لمسار التطور الإنساني.