لبنى الخميس
كنت استعد حينها لاختبار حاسم في مادة الرياضيات التي (لم أهضمها يومًا) توجهت إلى مكتبة الجامعة لأشتري آلة حاسبة، وأنا أجري عملية الدفع تملكتني رغبة قوية أن أشارك همي وخوفي من عدم النجاح مع موظفة المكتبة. فبادرتني هي بالمقابل بسرد قصتها ومعاناتها بشغف مع مناهج الرياضيات أثناء دراستها الجامعية في الأردن وكيف تجاوزتها. فجأة، بعد أن كانت مجرد موظفة مجهولة الهوية بالنسبة لي، أصبحت تجمعنا أرضية مشتركة.
وبعد ما يقارب الشهر عدت لأشتري بطاقة معايدة لإحدى صديقاتي، تبادلنا التحية وعرضت علي بأن نخرج لتناول كوب قهوة فقبلت العرض، وبدل أن يجمعنا مقهى لمدة نصف ساعة أخذتنا الأحاديث على مدى ساعات.. أحاديث مغلفة بالشغف وجمال اللقاء الأول.
هذه المقدمة تقودني للتساؤلات التالية: هل صادفت يومًا شخصًا في صالة المطار وتبادلت معه الآراء والأفكار حول وجهتكم القادمة؟ أو تناقشت مع شخص في المصعد حول موضوعات مثل الطقس وقرب الإجازة؟ هل فتحت قلبك يومًا لشخص غريب.. وشاركته آلامك وأحلامك.. وتفاجأت بأنه يحتوي ويفهم معاناتك بشكل لم تكن تتوقعه أو تتصوره؟ هذا ما تخصصت فيه «كيو ستارك» وتحدَّثت عنه مؤتمر تيد وألفت عنه كتابًا كاملاً يتناول حالة التواصل مع الغرباء أسبابها ودوافعها ونتائجها.
وعلى الرغم من أن الكاتبة تحتفي بهذا النوع من التواصل كون الحديث مع الغرباء قد يبدو شيقًا وذا نتائج غير متوقعة.. إلا أننا تربينا منذ سن مبكرة على تجنب الحديث معهم، وتبرمجنا أن نخاف ونرتاب إن بادرنا غريب بالتحية أو أقل تقدير بابتسامة.. فماذا يمكن أن يحدث إن قدمنا الثقة بحدسنا مقابل خوفنا؟
بحسب ستارك، ستجني فائدتين. أولاً، ستشعر بالتحرر من سلطة البرمجة وستنزع عن كاهلك ثقل التصنيفات.. هذا حبيب.. وهذا زميل.. وهذا صديق … وذلك غريب!. وثانيًا، ستتفاجأ بشعور جميل ودافئ عند الحديث مع الغرباء كونك ستشعر فجأة بأنك جزء من حلقة اجتماعية كبيرة ومتصلة لم تكن تشعر بها.
فالدراسات الاجتماعية وجدت بأن البشر يرتاحون للحديث إلى الغرباء أكثر من الأقرباء والأصدقاء.. ويعود ذلك لعدة أسباب منها أنه تفاعل إنساني سريع وعابر وخالٍ من العواقب، كوننا غالبًا لن نتلقي بالغريب مرة أخرى، كما تؤكد ستارك بأن مشاعرنا تجاه أصدقائنا وأقربائنا غير محايدة، إِذ لدينا توقعات مسبقة لطبيعة تفاعلهم وتفهمهم لمعاناتنا وإحباطاتنا، في حين أنك مع الغريب تبدأ بالشرح من الصفر ما يجعله يمتلك امتياز القصة الكاملة.
لكن يظل السؤال.. كيف أبدأ حوارًا مع غريب دون أن أقع في فخ الإحراج والعيب الاجتماعي، السيدة ستارك قدمت بعض الوصايا بهذا الشأن أذكر منها: تعرف على ثقافة البلد ومدى تقبلهم لمحاورة الغريب، حيث في بلد مثل الدنمارك يتحاشى الدنماركيون الحديث مع الغرباء سواء من المواطنين أو السياح، في حين أن دولة مثل مصر الشقيقة يعد مرورك على غريب في الشارع دون إلقاء التحية ضربًا من التكبر وقلة «العشرية».
وتضيف ابحث عن جزء ثالث يجمعكم مثل حالة الطقس أو لوحة إعلانية مبتكرة أمامكم، أو طبق طعام شهي بجانبكم ليكون مفتاح بدء الحوار. وبجانب أهمية التواصل البصري، قدم الثناء وستُقابل غالبًا بعبارات الامتنان والشكر التي ستمهد الطريق لمزيد من الحوارات الثرية والغنية.