(مع حلول صلاة مغرب الاثنين الموافق 29 - 9 - 1437هـ بالمدينة المنورة، اشتبه رجال الأمن في أحد الأشخاص أثناء توجهه إلى المسجد النبوي الشّريف عبر أرض فضاء تستخدم كمواقف لسيارات الزوار، وعند مبادرتهم في اعتراضه قام بتفجير نفسه بحزام ناسف مما نتج عنه مقتله، واستشهاد 4 من رجال الأمن، تغمدهم الله بواسع رحمته وتقبلهم في الشهداء، وإصابة 5 آخرين من رجال الأمن شفاهم الله) انتهى، تصريح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية.. رحم الله شهداءنا المغاوير وذب النار عن وجوههم كما ذبوا بأرواحهم السوء عن الصائمين المصلين في مسجد نبينا أطهر بقاع الأرض، وكتب تضحيتهم في ميزان حسناتهم يوم لا ينفع مال ولابنون، وأظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، وتحية إكبار وإجلال ليقظتهم التي لولاها بعد عناية الله لضرب المسجد النبوي ولهلك الكثير من القاصدين المسجد في تلك الساعة، ولكن الله حمى مسجد نبيه وزائريه.
في لحظة تسامت في روحانيتها بقلوب تعلقت بخالقها وأوشكت على إنهاء فريضتها، جاءت يد الغدر الآثمة لتعبث بصفاء تلك اللحظة، بجريمتين عظيمتين قتل النفس التي حرم الله بالإقدام على الانتحار، وإزهاق أرواح بريئة رفعت أكف الضراعة إلى ربها بأن تكون من المقبولين في ختام شهر الرحمة.
وهنا نتساءل بحرقة ومرارة واستنكار ماذا بعد انتهاك حرمة مسجد رسول الله وسفك دماء المعصومين في الشهر العظيم والإفساد في الأرض وترويع الآمنين؟.. ولصالح من هذا الإفساد وخيانة الوطن؟.. لصالح من الخروج على ولاة الأمر ونقض بيعتهم؟.. لصالح من إثارة الفتن والقلاقل والتنكر للأهل وللوطن وعطائه؟.. لصالح من هذا العبث بمقدرات الوطن؟.. ولأجل ماذا؟.. أمنصب أم مال وعدوه؟.. أم تقرباً لعدو والوه؟.. أيا يكن فلا مبرر ولا مغفرة لهذا الجرم المشين، فو الله ما أرخصهم على من اشترى ذممهم وضمائرهم وولاءهم، فقد نسوا أن الخائن لوطنه لا كرامة له عند عدوه، إن الحرص على استقرار أمن الوطن والذود عن حياضه بكل نفيس هو أسمى درجات الوطنية، فما بال فئة باعت نفسها للشيطان بلا ثمن فباءت بالخيبة والذل والعار حين انحرفت بها عاطفتها عن المسار الطبيعي الذي يميز انسانيتها ووفاءها وشرفها.
إن صفحات التاريخ تخبرنا كيف أن من خانوا أوطانهم كانت عاقبتهم أن تنكر لهم من اشترى ولاءهم وقلب لهم ظهر المجن، فهم يرون أن الخائن لا ضمير له فالغدر شيمته فكيف يمكن المضي معه والوثوق به، ومن الأسماء التي حفظها تاريخ الخيانات من سماه شعبه (الجنرال الساقط) أنطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي في الثمانينيات وهي مليشيا عسكرية قتلت اللبنانيين وروعتْ الآمنين منهم لصالح الكيان الصهيوني، وحين أنسحب الصهاينة من أرض لبنان، تخلوا تماماً عن عميلهم الخائن، ولم يقبلوا حتى منحه اللجوء إلى كيانهم الغاصب، فها هم حتى اليهود يمقتون الخائن، فما بالك بغيرهم، ويقال إن أحدهم سأل الزعيم الألماني هتلر عن أحط وأحقر الرجال بنظره فأجاب: رجل ساعدني، أو دعاني وسهل لي احتلال وطنه، فالخيانة ليس لها إلا وجه واحد هو التنكر للوطنية والولاء وانحطاط أخلاقي يدفع بصاحبه إلى العمالة التي هي خيانة الوطن.
إن الذود عن الوطن وحمايته وحبه والتعلق به غريزة فطرية جبلت عليها القلوب السوية، وتأصلت في جميع الكائنات الحية على وجه البسيطة، حتى إن بعض الحيوانات لتقاتل دون وكرها أو جحرها أو عشها أو عرينها أو أرضها، وإن بعضها لتعود إلى موطنها ان أبعدت عنه, ولعل أسمى مثل لذلك ما يتكرر سنويٌّا مع صغار ثعابين الماء التي وضعتها أمهاتها بعيداً عن موطنها الأصلي، فما أن تخرج من البيض حتى تسلك الطريق نفسه الذي جاءت منه أمهاتها، فتقاوم في سبيل ذلك التيارات القوية والأمواج وتقطع كل هذه المسافات الطويلة، ثم تتوزع إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة في موطنها الأصلي، فما بال من كرمهم الله تجافت قلوبهم عن الفطرة السوية، وخرجوا على النواميس والأخلاق الإنسانية، وانحرفت بهم الدروب إلى حيث السقوط في حمأة العفن، هم أولاء المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا العداء له، وما مرادف كلمة النفاق لغوياً إلا الغدر والختل والخديعة، هم أولاء المنافقون حقاً لأن من في قلبه ذرة من إيمان لا يجرؤ ولا يبيح لنفسه فعل ما أقدمت عليه هذه الفئة من عمل خسيس لا تقره النواميس ولا الأعراف ولا الديانات السماوية، هم فئة لم يدخل الإيمان قلوبهم أسلموا ظاهرا بألسنتهم، وأبطنوا الشر للإسلام في معقل الإسلام، لم يتغيروا منذ أن أرسى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وهم يحاولون النخر في بنيانها وتقويضه، فتارة بتحالفهم مع يهود المدينة وتارة أخرى مع مشركي قريش، فزاد الله دولة الإسلام رسوخاً وانتشاراً وانقلبوا خاسرين، وهاهم اليوم إخوانهم على أثرهم في الكيد والدس والمكر للإسلام وأهله، تباعد التاريخ وما تباعدت قلوبهم وأهدافهم، تباعد التاريخ وظلوا في ذاكرته التي لا تنسى مسطرة أسماءهم بمداد الخزي والعار، وهم اليوم يحاولون تقويض الإسلام في معقل الإسلام وصمام الأمان للعالم الإسلامي، إلا أن حزم قيادة هذا البلد الأمين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله-، كانت حاسمة في الضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه العبث بالوطن ومقدراته وترويع أهله، إن خيانة الوطن جريمة بشعة نكراء لا تقرها الشريعة الإسلامية، فمن عظم جرم الخيانة والغدر أنه ينصَب له لواء يوم القيامة يعرف به، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرةفلان بن فلان) وكان النبي يتعوذ منها، فكان يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، وقرن الله جل وعلا بين الخيانة والكفر في قوله جلّ وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} الحج من الآية: 38 وفي أول سورة «المنافقون» يقول تعالى: {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}؛ قرر القرآن كذبهم وفضح نفاقهم لرسوله، تغير الزمان والحدث وما تغيروا.
إن الولاء للوطن هو ولاء لله ولرسوله ولأولي الأمر ووفاء بعقد البيعة، وإيمان بأن من يبيع وطنه فهو يبيع دينه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء.
اللهم إنا نسألك الأمن في بلادنا وأن تدرأ عنها كل شر يحاك في الخفاء ضدها، وأن توحد صفوفنا وقلوبنا وراء قادتنا، إنك سميع مجيب الدعاء.
- جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن