د. محمد عبدالله الخازم
كما هو معتاد، واصلت المملكة جهودها عاماً بعد عام لإنجاح موسم الحج، وليس غريباً أن نشهد كل عام إضافة تراكمية في البنى التحتية وفي طرق العمل التشغيلية. هذا ديدن المملكة عقب كل موسم تسعى الجهات المعنية بها إلى قراءة الأحداث ومعالجة الملاحظات، ومن ثم العمل طيلة العام ليكون كل موسم أفضل من سابقه.
الحج ليس مجرد خيمة ننصبها في بداية الحج ثم نطويها بانتظار الموسم القادم، بل عمل مستمر ودائم للتطوير والتحسين والاستعداد. وكل ذلك تحكمه ظروف الجغرافيا والزمان وطبيعة المشاعر وطريقة ادائها.
ويضاف لذلك البعد الأمني حيث إن سلامة الحجاج مسؤولية تأخذها المملكة على عاتقها بجدية وحماس منقطع النظير، وهي تدرك أنها تتعامل مع شعوب وإن كانوا جميعهم مسلمين إلى أن لهم ثقافاتهم ولغاتهم وعاداتهم وطرائقهم المتباينة في التفاصيل المتعلقة بالمشاعر الدينية.
هذه سيرة المملكة مع الحج منذ تأسيسها تبذل الغالي والنفيس لإنجاحه. وهذا الطبيعي لأنه ما من عاقل يتصورها تبحث عن المشاكل في أشرف بقعة واشرف مهمة تقوم بها.
دولة واحدة، دأبت على إحداث المنغصات واستفزاز المشاعر في موسم حج. ليس بالضرورة لسبب ديني، بقدر ما هو سبب سياسي استفزازي. لا تبالي بحقوق الدولة المنظمة في فرض الخطط التي تضمن سلامة الحجيج ولا تبالي بسلامة مئات الألوف من الحجاج، ولا تبالي حتى بسلامة حجاجها، مقابل محاولة فرض فلسفتها السياسية الثورية.
هناك عمل دعائي وإعلامي سلبي يحاول دغدغة مشاعر بعض البسطاء كإظهار المملكة وكأنها أرادت وفاة بعض الحجاج أو ترديد النغمة السطحية المطالبة بتدويل الحج وغير ذلك من مغالطات لا تستند على حقائق.
ماذا يقصدون بالتدويل- هذه النغمة غير المنطقية؛ والحج متاح للمسلمين من كل بقاع الأرض وتتشرف المملكة برعايته؟ لقد أشرت إلى أن الحج ليس مجرد موسم تفرد فيه الخيام وتطوى، بل هو عمل دولة مستمر، فهل هناك عقل يقبل أن تأتي دولة من الخارج لتدير تفاصيل العملية الأمنية أو التنموية داخل دولة أخرى؟ المملكة هي الأعرف والأدرى بتفاصيل الحج ومن حقها إقرار الضوابط التي تراها مناسبة لأداء موسم أمن تضمن فيه سلامة جميع الحجاج. وبالذات كونها ضوابط تنظيمية لا تخالف مبادئ الحج الكبرى، بقدر ما تعنى بالعملية الأمنية وترفض تحويل الحج إلى غوغائية سياسية يتحول فيها مفهوم ورمزية الأمن والوحدة الإسلامية إلى تناحر وتنافس في أطهر البقاع.
المملكة لا ترغب في منع مسلم عن أداء الحج، وتحاول أن تنأى بالحج عن أية خلافات سياسية. مهمتها تنجح بتوافد الحجيج من كل البقاع، والتاريخ والأرقام تثبت ذلك؛ حتى حجاج إيران- الدولة المشاغبة- أتوا من مختلف البلدان ومن أعيق منهم كان بسبب دولته.