د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
روّى حجاج بيت الله الحرام دلاءهم من نمير مكة المكرمة، وارتشفوا من زمزمها ما شُرب له، وذكروا اسم الله في أيام معلومات، وتجلّت في حجّهم عزة الإسلام والمسلمين تحت ظلال ممدودة، وفوق نمارق مصفوفة، فغادروا بلادنا المملكة العربية السعودية بعد إتمام مناسكهم بذنب مغفور وسعي مشكور بإذن الله، وكان موسم الحج لهذا العام 1437 مختلفًا أحيط بتحديات كبيرة وبثت الأبواق المأجورة ومنابعها النتنة كل ما يشكك العالم بأسره والحجاج بقدرة بلادنا على إدارة الحج وحماية الحجاج؛ ولكن نجاحات الحج توالت «تسر الصديق وتغيظ العدا» بتوفيق من الله وبعزيمة المخلصين، فحين احتضنت بلادنا المسلمين الذين جاءوا يؤدون ركنًا من أركان الإسلام ويتمّمون شعيرة حجهم فقد شاركتهم تلك الحاضنة الرطبة شرط القدرة والاستطاعة «لمن استطاع إليه سبيلا»، ففتحتْ آفاقها في تلك البقعة المقدسة التي خصها رب العباد بأول بيت وُضع للناس، تُجلّلُ مساعيها غايات مُثْلَى منبعها عقيدة راسخة، ويقين أكيد أن ذلك الحشد السنوي تلزمُه إرادة لا تلين، واتكاء متين على أولي العزم في مؤسسات الدولة تخطيطًا وتنفيذًا، فتبدو مكة المكرمة مدينة الأنوار تُسقي ترياقها لكل طارق يؤمها، فتتجلّى فيها جهود حاضرة جبّارة لضبط ذلك المؤتمر الإيماني المتصل بعقيدة المسلمين المتمم لإسلامهم، فيشهد الحجاج في داخل المشاعر والعالم أجمع جموعًا مخلصة من أبناء بلادنا تُرتبُ تفاصيل المشهد كاملاً وفق توجيهات القيادة الرشيدة فإذا ما تحدث العالم عن علم إدارة الحشود فهو في البقاع المقدسة مكين أمين، وإن تباروا في أطروحات التنظيمات الإدارية فقد نالتها بلادنا في مواسم الحج باستحقاق مع مراتب الشرف بلا منازع؛ وإن رُصدت مواقع الأمن وحياض الحماية فإن أمن الحجاج وثائق فداء حقيقية لا نساوم عليها، وإن كانت للبيئات المثالية حين الحشود أمثلة عند المنظّرين، فبلادنا حصدت منها بطاقات تميز، وأوسمة شرف، وإن أشاد العالم بمؤسسات الصحة فنحن في العدوة العليا منها فلم تكن منشآتنا الصحية معدّة لاحتضان العوارض المؤقتة فقط إنما بلغت شأنًا عظيمًا قدرة واستيعابًا وإتمامًا، وفي هذا العام كان هناك أكسير حياة جديدة في وزارة الصحة، هذه الوزارة القافزة إلى الأمام بقيادة ربيعها المجدد.
إن ذلك الاستمرار المتدفق، وتلك المشروعات العملاقة في المشاعر، وتلكم الحشود المؤهلة لراحة الحجاج ثم الحصاد السنوي في كل موسم يعلوه صوت الاستحقاق بأن خدمة ضيوف الرحمن شرف بلادنا الذي تسمى به قادتنا وتساموا به، كما نجحت بلادنا في صناعة «التناغم» كما أطلق عليه ولي العهد - حفظه الله-؛ التناغم بين قطاعاتها المختلفة لتحقيق خدمات متميزة لضيوف الرحمن وأبدعت بلادنا في قيادة مراحل أداء النُسُك بكفاءة واقتدار ولعل من حديث الواقع حين نقول إن خدمة حجاج بيت الله أصبحت جزءًا من هوية هذه البلاد الطاهرة ومن صِلاتها بالآخر ومن رموز حضارتها، ومكوناتها الفكرية، وهو شرف لا ندّعيه بل حقيقة ماثلة لا تملكها دول العالم قاطبة تُرى رأي العين، إن بلادنا بلغتْ في العناية والاهتمام بمواسم الحج ما لم يبلغه تنظيم أو حشد دولي آخر لسمو المقصد ونبل الهدف..
حفظ الله بلادنا التي سمتْ وتسامتْ في مواسم الحج.