د. أحمد الفراج
لم يكن يخطر ببال المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أن المرض سيدهمها في أسوأ توقيت ممكن، أي قبيل تحقيق حلمها لدخول المكتب البيضاوي، كأول سيدة ترأس الإمبراطورية الأمريكية. والأسوأ من ذلك أن المرض دهمها في احتفال وطني متغلغل في ذاكرة ووجدان الشعب، أي أحداث سبتمبر. ولا تزال حملة كلينتون مرتبكة؛ فبعد مشهد هيلاري المروع وهي تترنح قالوا إن ذلك كان بسبب الحر! وهي حجة لم يقتنع بها أحد، ثم لاحقًا أعلنوا أنها مصابة بالتهاب رئوي حاد، قبل موعد الاحتفال بيومين. وهنا ضجت وسائل الإعلام متسائلة: «لماذا لم يتم إعلان ذلك في حينه؟»؛ فقد جرت العادة أن يعلن المرشح أدق التفاصيل، وخصوصًا ما يتعلق بالصحة. وبسبب هذا الغموض، والتصاريح المتضاربة، فقد انتشرت الشائعات عبر وسائل التواصل، التي تساءلت عن حقيقة مرض هيلاري، وعن اتهام حملتها بأنها تخفي الحقيقة، بل بلغ الأمر درجة اتهامها بأنها تستأجر شخصية بديلة تشبهها؛ لتحضر بعض المناسبات، مثلما كان يفعل صدام حسين وابنه عدي!!
لا جدال في أن الديمقراطيين في مأزق؛ فهيلاري لم تكن مقنعة في أدائها كما يجب، حتى قبل مرضها الأخير، كما أن الشكوك تتزايد عن احتمالية إصابتها بمرض عصبي مزمن، وقد اضطرت بعد مرضها الأخير للانزواء والراحة. ولأن برنامجها الانتخابي مزدحم فقد حاول الديمقراطيون تعويض غيابها؛ إذ حضر الرئيس أوباما تجمعًا انتخابيًّا في مدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا المهمة جدًّا، وألقى كلمة قوية وعاصفة، امتدح فيها غريمته السابقة، ورفيقة دربه حاليًا، هيلاري، كما تهجم بعنف على ترمب. وهذا الحضور لأوباما كان مهمًّا جدًّا لهيلاري، بعد أزمة مرضها الأخيرة؛ فأوباما يتمتع حاليًا بدعم شعبي كبير، على غير العادة في مثل هذا التوقيت، أي قبل نهاية فترته الرئاسية بأشهر قليلة؛ فنسبة تأييده تناهز 60 %، وهي ربما الأعلى منذ انتخابه رئيسًا للمرة الأولى في 2008.
وللمرض تاريخ وحكايات مع الساسة الأمريكيين؛ فالرئيس الأمريكي ويليام هاريسون، الذي انتُخب في عام 1841 رئيسًا للولايات المتحدة، خطب بعد انتخابه خطبة طويلة جدًّا، استغرق إلقاؤها أكثر من ساعتين، وتُعتبر أطول خطبة «تنصيب رئاسي» في تاريخ أمريكا. ومع أن الأجواء كانت ممطرة وباردة في واشنطن دي سي إلا أنه لم يلبس معطفًا، ولا أي ملابس ثقيلة، وبعدها شعر بوعكة صحية، ظن طبيبه أنها نزلة برد عادية، ولكن الأمر تفاقم، وتطور إلى التهاب رئوي حاد، وبعد أيام دخل الرئيس في مرحلة الخطر، وبدأ بالهذيان، وبذل أطباؤه كل جهد ممكن في استخدام الاستراتيجيات الطبية المتاحة في ذلك الزمن المبكر، ولكن كل ذلك جاء متأخرًا؛ فقد تدهورت صحته بشكل أكبر، ثم توفي بعد 32 يومًا فقط من تنصيبه رئيسًا!
وليس الرئيس هاريسون هو الوحيد؛ فهناك رؤساء آخرون لم يعرف الشعب الأمريكي عن أمراضهم المزمنة إلا بعد مغادرتهم البيت الأبيض. وقد كتبتُ من قبل مقالات عن ذلك، ولكن الأمر مختلف حاليًا مع تطور التقنية، وملاحقة وسائل الإعلام والتواصل أدق التفاصيل؛ وبالتالي فإن مرض هيلاري، الذي شاهد المتابعون بعضًا من تفاصيله بالصوت والصورة، قد تكون عواقبه وخيمة، وما علينا إلا أن نتابع، وننتظر تطورات هذا المرض الغامض، الذي من الممكن أن يقضي على آمالها بالرئاسة هذا العام، كما قضى باراك أوباما على آمالها قبل 8 سنوات.