سام الغُباري
وصلت إلى الرياض التي احتضنت شرودنا ولجوءنا بعد أن أكرمني الله بالحج عن زميلي وصديقي الشهيد «عبدالله قابل» الذي قتله الحوثيون قبل عام - أخذت زوجتي الحبيبة لتحج عن نفسها بما يقولون عنه «حجة الإسلام» - فقد كانت تلك المرة الأولى التي تُقابل فيها الكعبة المشرفة وجهًا لوجه.
- انتقيت أصدقاء الرحلة بعناية - فالرفيق قبل السفر - كُنا مجموعة عائلات يمنية متحمسة لأداء فريضة الحج - ولمّا كنت حاجًا سابقًا لمرتين فقد كنت أكثرهم إلمامًا بمناسك الفريضة المباركة - استوقفتنا بالطريق عدة نقاط أمنية كانت تستفسر بطيبة وتؤدة عن تصاريح الحج الرسمية - وكُنا نبرزها وقد جمعناها عند «أمير» رحلتنا الصديق «طارق البازلي» - وصلنا فجر الثامن من ذي الحجة بعد سفر مضنٍ إلى سكن صغير بالقرب من منشأة الجمرات - ومنه انطلقنا إلى الحرم المكي لأداء طواف القدوم - ثم غادرنا من فورنا إلى «منى» للمبيت في مخيمات ممتازة وفرتها الحكومة اليمنية برسوم مناسبة - وفي مخيم الرجال كُنا أكثر من خمسين حاجًا بعضهم جاؤوا من اليمن - وكثيرون قدموا من أنحاء متفرقة من المملكة لأداء المناسك بروح خالصة لله عزّ وجلّ.
- في اليوم التالي غادرنا على متن باصات كبيرة إلى مشعر عرفات حيث كُنا قريبين من «جبل الرحمة» - نُكثر الدعاء ونتناقل أدعية الاستغفار بحماس واجتهاد - وفي طرقات «عرفات».
وغيرها من الطرق المرتبطة بالمشاعر، انتشرت مئات الباصات وآلاف الشباب المتطوعين السعوديين للتسابق على توزيع المواد الغذائية المعلبة والمياه والألبان والعصائر بأنواعها مجانًا - فيما كان جنود الأمن الطيبون يبتسمون بكل محبة لتيسير ذهابنا ومجيئنا وتنقلنا بين المشاعر - وعلى أيديهم مضخات مياه بلاستيكية لتخفيف حرارة الشمس اللاهبة على رؤوس الحجيج الذين كانوا يبادرونهم بالعناق والقبلات.
- نفرنا راجلين إلى «مزدلفة» في زوال ذلك اليوم رغم توافر الباصات المخصصة لنقلنا - إلا أننا فضّلنا مرافقة مئات الآلاف من الحجيج الذين تقاطروا من أنحاء الأرض عدا - إيران - التي منعت حُجاجها بخبث طائفي وقع بالرضا في نفوس الحجيج الذين كانوا يتهامسون بسهولة حج هذا العام عن الأعوام السابقة - ويعزونها ضاحكين إلى خلو المشاعر المقدسة من الإيرانيين الذين عقدوا النية على تسييس الحج وحرفه عن وظيفته الإيمانية الخالصة! - بعد أكثر من ثلاث ساعات وصلنا إلى مزدلفة حيث كان الملايين يفترشون الأرض بلباسهم الأبيض الجميل - الأسود والأبيض - الصغير والكبير - الغني والفقير - العوالم الثلاثة كلها في مكان واحد يبتغون فضلاً من الله ورضوانه.
- تناقلت الأخبار وصول خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي عهده إلى مكة المكرمة للإشراف شخصيًا على راحة الحجيج وتذليل كافة الصعوبات التي قد تعترض أداءهم للمناسك المقدسة - فعزز ذلك شعور الجميع بالاطمئنان والسعادة - وما برحت ألسنتهم تدعو للقيادة السعودية بالتوفيق والسداد في أمنهم واستقرارهم ورعايتهم الأبوية العظيمة للدول العربية والإسلامية.
- في طريقي إلى الجمرات في ثاني أيام التشريق استرعى انتباهي اصطفاف عشرات الجنود السعوديين الشباب على جانبي الطريق لاستقبال الحجاج وتحيتهم - كأنهم وفود رئاسية - وكان الحجيج يبادلونهم القبلات والتحايا - ومثل هذه اللحظات المميزة لا يمكن أن تذهب بلا توثيق مسجل من كاميرا هاتفي المحمول - ونشرتها بصفحتي على «تويتر» - فلاقت استحسان المئات من المتابعين الذين غردوا بها بكل فخر تحت عدد من الوسوم التفاعلية الشهيرة.
- الحج أداء إنساني رائع قبل أن يكون فريضة مُلزمة لمن استطاع إليه سبيلاً - فيكون إكمالاً للركن الخامس من أركان الإسلام - وفرصة للقضاء على الذنوب والتضرع إلى الله بما تتمناه هذه الملايين كل عام من بارئها - فيتجلى الله في السماء مباهيًا ملائكته بعبيده - فيغفر لهم كل شيء - هذه الجزئية العظيمة كانت تحفزني شخصيًا لتكثيف دعائي بكل ما أطلب وأتمنى - وما أجمل أن تناجي وتطمع - وتزيد من رغبتك وحاجاتك وأمانيك وأحلامك وطموحاتك أمام من لا يعجزه شيء في الأرض والسماء.
- في يوم الوداع - كان الحرم المكي يعج بكثافة بشرية مذهلة - وعلى الرغم من ذلك لم يشهد المكان المقدس أي مخالفة أو خطأ - مما عكس قدرة هائلة واستثنائية خارقة كان أبطالها كل فرد من عناصر الأمن والجيش السعودي والمنظمين والدعاة ورجال الحكومة والرئاسة العامة للحرمين الشريفين - وفوق كل هؤلاء المباركين - كان الملك الحازم سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي عهده وأمير منطقة مكة المكرمة حاضرين بأنفسهم لخدمة ضيوف الرحمن بكل تفانٍ وإخلاص - ونيابة عن كل يمني من حُجاج هذا العام أتقدم بالشكر والثناء الجزيل للقيادة السعودية على رعايتها السامية لهذا اللقاء المليوني العظيم في أطهر بقاع الأرض - وأسأل الله أن يوفقهم لخير بلادهم وأمتهم العربية والإسلامية - كما أُجّزل بالحمد والثناء لله تعالى الذي وفقني لحج هذا العام - وأسأله جل في عُلاه أن يجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا عن زميلي الشهيد «قابل» -رحمه الله- وأن يكتبه في ميزان حسناتنا - ويعيدنا إلى بلادنا المُختطفة من الأشرار الحوثيين رافعين رؤوسنا - محتفلين مع كافة العرب والمسلمين بتحرير وطننا الجريح من وكلاء «إيران» الخبثاء - وقد عاد لليمن روحه وعروبته - واتسعت الابتسامة في وجوه الجميع.
.. وإلى لقاء يتجدد.