محمد بن عبدالله آل شملان
انتهت أروع الأيام وأكثرها بهجة وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى.. وبدأت رحلات العودة لتظل الذكرى وعبق الأيام ونفحات لحظاتها والرؤية الموضوعية والسليمة لمسيرة البشرية.
هكذا انتهت أيام الحج، المشحونة بالإيمان والمدركة تمام الإدراك والوعي بقدرة الإيمان على تحريك الأحداث وصيانة النفس البشرية وشطحات الهوى ونزعات السوء.. وستظل لحظات الحج أملاً وذكرى ؛ أملاً في استعادتها مرة أخرى.. وذكرى عطرة للحظات جيدة.. لحظات الحب الحقيقي وانتصار إرادة الإنسان على الشهوات.
ولقد شاهد ملايين الحجيج الذين وفّقهم الله سبحانه وتعالى إلى أداء فريضتهم هذا العام، الجهد الكبير الذي يُبْذل من أجلهم، وعاشوا لحظات في هذا الجهد والأداء الذي شكّل باقة من العمل الخلاق على جميع المستويات.. شاهدوا توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، تلك التوسعة التي أصبحت معلماً حضارياً يؤكد قدرة العمل الخالص لله في هذا الوطن الطيب، الذي يَسْتشفُّ ـ دون ما طلب - رغبات الأمة الإسلامية من محيطها إلى خليجها ومن شمالها إلى جنوبها.. ويدرك مدى ما يحتاج إليه المسلمون لكي يؤدّوا فريضتهم بسهولة ويسر.
لقد كشفت هذه التوسعة عن المعدن الأصيل لقيادة الوطن وما يستهدفه خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ لجموع المسلمين وازدياد أعدادهم عاماً بعد عام، وما تتطلبه هذه الزيادة من مشروعات وتسهيلات.
ولقد كان تأكيد خادم الحرمين الشريفين على الإنفاق بلا حدود، والعمل بكل طاقة، والجهد الذي لا يتوقف ليلاً أو نهاراً.. كان ذلك كله وراء هذا النجاح بعد توفيق الله.. هذا النجاح الذي استوعب كل آمال المسلمين واحتوى آمالهم.
هكذا.. هكذا عاش ضيوف الرحمن ملحمة الأداء واستظلوا بظلّها وأدّوا بها مشاعرهم في سهولة ويسر وأمان، واستطاعوا ـ بها ـ أنْ يحققوا الراحة لفريضة شاقة ومضنية.. لقد سهلت هذه المشروعات الكثير من الجهد وحققت لهم كل سبل الأداء المستريح!
ولعل ضيوف الرحمن يدركون وهم يغادرون إلى أوطانهم، أنّ الجهد الذي يُبْذل لا يتوقف، فالإعداد للعام القادم يبدأ فور انتهاء موسم الحج ودراسة الإيجابيات التي تحققت للاستعانة بها لدعمها في مشروعات العام القادم.. هذا الجهد الذي لا يتوقف هو قَدَرُ المملكة التي نبتت على أرضها دعوة الخير.. دعوة الإسلام التي حدّدت للبشرية طريقها الصحيح وسط ظلامات كثيرة صنعتها أنظمة وضعية، وتعتز بهذا الشرف العظيم وتؤديه بكل أمانة وإخلاص.
ستظلُّ هذه الأيام التي مضت مسرعة وقد أدّى ضيوف الرحمن شعيرة الحج في يسر وسهولة وأمن، ذكرى عطرة وأملاً متجدداً للعام القادم، وستظل هذه الرؤية الحقيقية هي خير دليل لمدى الجهد الذي يُبْذل والعطاء غير المحدود الذي يقدمه هذا الوطن ـ ملكاً وحكومة وشعباً ـ من أجل أن تتفجر ينابيع الخير لجموع المسلمين، وستظل هذه الأيام ملحمة من الذكريات للذين جاءوا من كل فجٍّ عميق، ورؤية موضوعية لجهد إنساني على جميع المستويات، وعمل موحد لا يبتغي إلا وجه الله سبحانه وتعالى.
إنّ ملايين المسلمين الذين يعودون إلى أوطانهم محملين بالذكريات، قد حصلوا على زاد حقيقي يعينهم على استمرار الحياة والتغلب على مصاعبها ومواجهة أخطارها، يعودون كما ولدتهم أمهاتهم لمن يتقبل الله سبحانه وتعالى عملهم.. هكذا يعودون.
وهكذا يستعدُّ هذا الوطن بنفس الروح إلى موسم الحج القادم.. فهذه هي المسؤولية.. وهذه تبعاتها. حفظ الله الوطن.. وأدام عزه وأمنه وقيادته.