يوسف المحيميد
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حينما كنا نركض خلف خطط التنمية الخمسية، ونبني المدارس والمستشفيات وغيرها، لم نهمل الفنون في ذاك الوقت المبكر، والتاريخ يشهد أن عددًا من الفنانين الرواد ومن بعدهم نالوا منحة ابتعاث لدراسة الفن التشكيلي من أكاديمية الفنون الجميلة في فلورنسا وروما بإيطاليا، كالرائد الراحل الفنان محمد السليم، وعلي الرزيزاء، وعثمان الخزيم، وغيرهم، ونالوا هم ومن جايلهم من الفنانين كعبدالجبار اليحيا وعبدالحليم رضوي، ومحمد المنيف، وسعد العبيد، وغيرهم الكثير من الدعم باقتناء أعمالهم التشكيلية للجهات الحكومية المختلفة، فضلاً عن سهولة تنظيم المعارض التشكيلية لهم، وهذا كله أمر صحي وطبيعي لدى بلاد في مرحلة النمو والتطور والمدنية.
أما ما نعيشه الآن، ومع ازدهار الابتعاث للدراسة في الخارج، ووصول عدد المبتعثين إلى رقم قياسي لم نبلغه من قبل، نحو مائتي ألف طالب وطالبة، منذ بداية عهد الملك عبدالله، يرحمه الله، وحتى الآن، إلا أن هذا الابتعاث اقتصر على التخصصات العلمية وحدها، واستبعاد كافة التخصصات الإنسانية تقريبًا، من فرصة الابتعاث، وعلى رأسها فنون التشكيل، والنحت، والفوتوغراف، وغيرها، رغم أن فنون التصوير، والفنون البصرية عامة، تعتبر من أهم وسائل تطوير الذائقة الجمالية لدى الفرد، وانعكاس ذلك على وعيه ورؤيته وذائقته، فضلاً عن أن الحضارات الحديثة كلها في أوروبا وأمريكا وغيرهما، بُنيت على الفنون والآداب بكل ما تشمله من فنون تصوير، وموسيقى، وسينما، ومسرح، وآداب مختلفة كالشعر والقصة والرواية وغيرها.
علينا أن نتنبه إلى أن الفنون تشكل بعدًا مهما من رؤية المملكة 2030، حتى وإن لم يتم التركيز عليها بشكل واضح، لكن هذه الرؤية لن تكتمل بطموحها الكبير، وأحلامها، من غير فنون وآداب، من غير أن نستلهم فنون العالم في مجالات التشكيل والنحت والموسيقى والمسرح وغيرها، من غير أن تكون لدينا دار أوبرا، من غير أن نؤسس دور مسرح وسينما، تقدّم ما يحدث في العالم، تنفتح على هذا العالم الجديد المتطور، بقفزاته الوثابة!
لماذا لا يُعاد النظر في مجالات الابتعاث، لماذا لا يُبتعث الفنانون التشكيليون والنحَّاتون والموسيقيون والمسرحيون، لماذا لا تتشكّل لدينا كل مقومات صناعة الفنون، كجزء من الدخل الوطني، وخصوصاً أن لدينا ثروة بشرية شابة ومتميزة، ورؤيتنا تعتمد الشباب كعنصر فاعل وحاسم في تحقيقها، ولا يغني هذا عن اهتمامنا في المجالات العلمية المختلفة، ولا يعني التنازل عنها، فلا مجال يغني عن الآخر، ولا مجال يلغي الآخر، نحن بحاجة أن نسير على قدمين، نتحرك بالمجالين معًا، العلمي والإنساني.