د. حمزة السالم
القيادة الاستراتيجية الناجحة هي القادرة على اتخاذ القرار الصائب في وقته المناسب، وبأقل كلفة، وأعلى العوائد. واتخاذ القرار يحتاج إلى ربط المعطيات بعضها ببعض، وتحليلها منطقيًّا للخروج بالقرار الصحيح. وعملية الربط هذه عملية عقلية، تعتمد كليًّا على ذكاء القائد، ومنطقية أسلوب تفكيره، ومدى تقدمها على زمانه.
فالذكاء هو أهم صفة للقائد الناجح، ثم يأتي بعد ذلك العلم والخبرة. فالعلم والخبرة هما الأداتان اللتان يستخدمهما الذكاء. وكلما تقدمت الأداتان كان الذكاء أكثر فعالية.
ولنجاح القيادة مكملات ومحسنات. فالقيادة الناجحة تحتاج إلى اطلاع عام بالثقافة العامة، وإدراك لطبائع المجتمعات التي يعمل فيها أو حولها. فقد يتخذ القائد قرارًا عبقريًّا، لكنه ينتهي إلى الفشل لعدم احتساب حسابات خارجية اجتماعية أو سياسية أو علمية، تكون عقبة مانعة. والعكس كذلك صحيح؛ فقد يمتنع عن اتخاذ قرار ناجح تحسبًا لأمور خارجية، بينما يكون هناك مخارج أو التفافات حولها لم يدركها لعدم ثقافته واطلاعه على من حوله وما يحدث من مستجدات. والأهم من ذلك أن جهله بهذه المخارج والمناورات قد يشل فكره الإبداعي ابتداء؛ فلا يهتدي إلى الإبداع بسبب يأسه من وضع معين في المجتمع مثلاً، أو بسبب عُرف أو قانون مانع، بينما توجد له مخارج. وقد يحرفه عن الفكر الإبداعي إلى الفكر التقليدي السائد جهله بالثقافة العامة والعلوم الجديدة المستحدثة.
ونجاح القائد يكون عادة بتقدمه الإبداعي الفكري عن زمانه. ومن مكملات القيادة الناجحة استخراج الإبداعية الكامنة في عقول أفراد منظمته؛ فلا يكون إداريًّا ملهمًا وناجحًا من لا يشجع من يتبعه في العمل على المخالفة المنطقية لقراراته، أو من يوضح له خطأ معلوماته وفرضياته، بل يجب أن يعترف له بالفضل ويكافئه على تصحيح الرؤية. وهذا من أهم أسباب خلق روح العمل الجماعي لفطرة النفس البشرية على الجدية والإخلاص إذا ما اعتبر رأيها في القرار، بل حتى ولو كانت المخالفة غير صحيحة.
فيمكن أن الفكرة على خطئها قد أقدحت الحل في عقل القائد. فعلى القائد أن يظهر أن التابع قد أتى بها، ويشيد به. فطريقة التفكير الصحيحة والمنطقية خلال مناقشات الحلول - بغض النظر عن خطأ نتيجتها - هي التي تقود نقاش الاجتماعات إلى أفضل الحلول والقرارات، التي قد يكون سببها رأيًا خاطئًا، لكنه إبداعي في طريقة فكر طرحه.
ولا يصلح أن يقود ولو اجتمع فيه الذكاء والعلم والخبرة والثقافة وهو ممن لا يتحمل مسؤولية قراراته، أو قرارات من دونه إذا كانت نابعة من عموم مفهوم توجيهات القيادة، أو كانت نابعة بسبب تقصيره في المتابعة. فالتهرُّب من مسؤولية القيادة وتحمُّل تبعياتها يخلق تبلدًا ولا مبالاة بين أفراد المنظمة، ويقتل روح العمل الجماعي.
وفهم الكلام يحتاج إلى ذكاء وفطنة، لا معرفة مجردة للكلمات؛ فكم من مجنون قد أحكم قرض الشعر، وبرع في حديث الأدب.