«الجزيرة» - المحليات
يغادر الدكتور نيفل رسل، استشاري جراحة المخ والأعصاب في مستشفى الحرس الوطني، يغادر المملكة العربية السعودية للتقاعد في كندا، بعد أن أقام في المملكة لمدة ستة وعشرون عاماً. يعتبر الدكتور رسل من رواد جراحة المخ والأعصاب وساهم بشكل كبير في تطوير قسم جراحة المخ والأعصاب في مستشفى الحرس الوطني في الرياض ليصبح مركزاً عالمياً في هذا المجال.
والجدير بالذكر أنه لم تمض سوى بضعة أشهر على وصول الدكتور رسل إلى المملكة لتندلع بعد ذلك حرب الخليج الأولى. لم يغادر الدكتور رسل حينذاك، بل قرر البقاء للقيام بواجبه المهني على أكمل وجه. ثم لم يغادر خلال جميع الأزمات والحروب التي مرت بالمنطقة بعد ذلك وباشر عمله بكل إخلاص، معتبراً هذه البلاد وطنه وليس مصدر رزقه فحسب، محباً لها ولأهلها.
وقد أقام الدكتور محمد الوهيبي استشاري جراحة الأعصاب في مستشفى الحرس الوطني في مدينة الرياض حفلاً في منزله لتكريم الدكتور نيفل رسل بمناسبة انتهاء فترة عمله في المملكة العربية السعودية ودعيت إليه «الجزيرة» .وشرف الحفل معالي الدكتور فهد العبدالجبار الرئيس التنفيذي الأسبق للخدمات الطبية في وزارة الحرس الوطني، والمدير التنفيذي لمؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، ورئيس العيادات الملكية الأسبق، وقال الدكتور العبدالجبار إنه حريص لحضور الحفل لتوديع الدكتور رسل لمكانته العلمية ودوره العملي في بناء ذلك الصرح الطبي، خاصة وأنه قد شهد شخصياً حجم العمل الذي قام به الدكتور رسل.
واستقبل الدكتور الوهيبي في منزلة العديد من الأطباء سواء من الذين عملوا مع الدكتور رسل، أو الذين أشرف على تدريبهم وكان له دور في تغيير مسار حياتهم العملية.
وتناوب الأطباء في ذكر مناقب الدكتور رسل وكيف أنه تمكن من إيجاد القبول لعدد كبير من الاستشاريين السعوديين للالتحاق بالبرامج التدريبية في كندا، مما مكن البلاد من الحصول على استشاريين على أعلى مستوى في هذا التخصص الصعب، أو من خلال إشرافه على تدريب الكثير ضمن برنامج البورد السعودي، ودوره في بناء كوادر من أبناء الوطن لتقوم بالمهمة في هذه اللحظة التي يغادر هو فيها.
معتبراً أن دوره في العلاج وتأسيس وحدة لجراحة المخ والأعصاب في المملكة العربية السعودية، قد انتهى بوجود الكوادر الذين أشرف شخصياً على تدريبهم، معتبراً هذا عاملاً مطمئناً له ليغادر البلاد براحة تامة.
وقد تحدث الدكتور الوهيبي الذي عمل مع الدكتور رسل طوال فترة عمله في مستشفى الحرس الوطني، عن الدكتور رسل قائلاً: «لم نتعلم منك جراحة الأعصاب فقط، لقد تعلمنا أصول المهنة وأخلاقياتها والانضباط في العمل ودقة الإجراءات في جميع جوانب الحياة. لقد كنت مثالاً يحتذى به، ونأمل أن يلحق بنموذج مهنة العمل الذي بدأته معنا، جيل كامل من أطباء المستقبل في المملكة العربية السعودية».
وقد أثنى الدكتور الوهيبي كذلك على دور السيدة بريندا رسل، زوجة الدكتور رسل، والتي عملت رئيسة تمريض كانت خلال فترة عملها مثال الجد والإخلاص، وتعاملت بكل إنسانية مع المرضى الذين أحبتهم وأحبوها، ونثرت المودة والمحبة في كل اتجاه.وتحدث الدكتور رسل معبراً عن شكره العميق للجميع. وقال: «قد يبدو صعباً فهم الثقافة السعودية للبعض، وهذا ما حدث لي في البداية، وأعتقد أنه بسبب العديد من الأفكار المغلوطة التي يتم تناولها في الغرب، وأعتبر نفسي محظوظاً أن سنحت لي الفرصة لأن أعيش هذه التجربة الرائعة في حياتي وأتعرف على السعودية عن قرب».وقال إن هناك شواهد عديدة لما قد يستغربه البعض في الغرب، وكان له دور كبير في الانطباع الذي يحمله عن المملكة، وروى مثالين عن مرضى زاروه في العيادة، كان الأول لرجل أجرى له عملية في العمود الفقري، وكان مهدداً بالشلل، ولكن شفي تماماً ولله الحمد بعد العملية. وبعد أن تحسنت حالته مازحه قائلاً: «وضعك الصحي ممتاز جداً، ألن تتزوج امرأة ثانية؟» فما كان من المريض إلا أن تحدث بكل جدية وأجابه قائلاً: «من سنوات طوال، وهبت قلبي لامرأة، لازالت تسكنه، ولا يتسع لغيرها».
وعلق الدكتور رسل قائلاً إنه لا يمكن لأي رجل في العالم التعبير عن مشاعر الحب لزوجته أكثر من هذا الرجل الذي يتهم عالمياً بإهانة المرأة. إنه الرجل الذي يمكن له الزواج من ثانية، حسب قوانين البلاد والدين، ولكن الحب يمنعه من ذلك.
أما القصة التي أحزنته فكانت من مريضة من البادية، أجرى لها عملية استئصال لورم من المخ. بدأت تبكي بشدة في العيادة عندما أخبرها أنه لن يتمكن من متابعة حالتها بسبب سفره. وقال: «في هذه اللحظة، أمام هذه المرأة بدأت المرحلة الجديدة القادمة من حياتي تتبلور أمام عيني، سأفتقد هؤلاء الناس المحبين».
وقال إن وقود حياته في المملكة كانت المحبة التي غمرت عائلته من أول يوم. كان الجميع على مستوى رفيع من الاحترام والطيبة والعاطفة. وكان الجميع ودوداً مع محاولاته المضحكة في اللغة العربية. ولا شك أن زملاء المهنة في قسم جراحة المخ والأعصاب قاموا بدور جبار في إنجاز وتطوير القسم لما هو عليه الآن، وكنا فعلاً كما يصفنا الدكتور الوهيبي «أصابع في يد واحدة»، كنا متماسكين وكان العمل ممتعاً لآخر يوم. وأشار الدكتور رسل إلى الأطباء المتدربين الشغوفين بالمعرفة والمليئين بالحيوية، ودورهم في حث الجميع على العلم من خلال الأسئلة الذكية التي يطرحونها.
وتمنى الحضور فيما بينهم لو أنهم يستطيعون اقتراح تقديم وسام رفيع على مستوى الدولة لهؤلاء الأشخاص الذين خدموا بلادنا بكل إخلاص وفي كل الظروف سواء في تدريب جيل من الأطباء لهذا البلد أو في علاج الآلاف من المرضى.لم يتذمر الدكتور رسل وزوجته طوال فترة عملهم من أي شيء، بل عاشوا أجواء الحرب والسلام وعملوا لتطويع كل الظروف المحيطة بهم لخدمة المريض.ليس «بدون تذمر»، بل «بكُل حب» مع أبناء هذا الوطن.واختتم الدكتور الوهيبي مودعاً: «سنشتاق لك كثيراً».