د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
إذا كان العالم بعد ثماني سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية، لا تزال تترنح عملية انتعاش الاقتصاد العالمي وسط خشية الكثيرين من انزلاق النمو العالمي إلى خطر العادي مجددا على نحو دائم، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل النمو الاقتصادي العالمي للعام 2016 من 3.1 في المائة إلى 2.9 في المائة، وحذر صندوق النقد من أن هذه الفترة المطولة من النمو البطيء عرضت الاقتصاد العالمي لخطر الصدمات السلبية، ورفعت خطر انزلاق العالم إلى الركود.
انعقاد قمة مجموعة العشرين بهانغتشو للاقتصادات الكبرى في قمتها الـ11 يومي 4 و5 سبتمبر 2016 على آمال عالية معلقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم في قيادة العالم الذي تشارك فيه السعودية الدولة العربية الوحيدة للخروج من فخ النمو العالمي تحت عنوان بناء اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل.
السعودية باعتبارها عضوا فاعلا في مجموعة الاقتصادات الكبيرة، عليها أن تعيد قراءة النمو الاقتصادي الاحتوائي تماشيا مع النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبيرة التي تشاركها الاجتماع، وهو ما يؤكد ارتباط الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي، حيث إن النمو هو أبعد من الأرقام، النمو الحقيقي قادر على توزيع ثماره، ويكون قادرا على توفير الوظائف، وقادرا على الوصول إلى الخدمات الأساسية غير معتمد على المعاملة التفضيلية التي تقدمها الحكومة التي قد تكون مؤقتة لحين تتحول الشركات والمصانع إلى شركات منافسة.
تتجه الدولة نحو التخلي عن النمو الاحتوائي حتى يتمكن النمو الاقتصادي من الإنفاق الأفضل جودة على برامج البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، حيث يأخذ في اعتباره العدالة عن طريق منح الدعم لمستحقيه، ما يعني إزالة جميع الثغرات التي شوهت الاقتصاد المحلي، وأعاقت نموه الحقيقي، واكتفت بالنمو الاحتوائي في الفترة الماضية الذي لا يحقق اقتصادا متينا يتناسب مع حجم الاقتصاد السعودي وإمكاناته الضخمة.
تسعى الدولة نحو استدامة الإنفاق العام وما يتبع ذلك من تحسن في ثقة واستثمارات القطاع الخاص لكنها لن تفكر في حلول سريعة وارتجالية لحل مشكلات الاقتصاد المحلي، بل على العكس، اتجهت نحو النظرة طويلة المدى المتمثلة في رؤية المملكة 2030، وتنظر لما هو أبعد من المنظور القومي المعتاد، لتؤكد أنها تبحث عن حلول غير تقليدية بل تعتمد على الابتكارات لاعتلاء القمة.
كما رجح تقرير صادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، أن يستمر تراجع أسعار النفط بنسبة 17 في المائة عامي 2016 و2017 ليصل إلى 41 دولارا، إلا أن قطاعات البناء والتشييد والنقل والتخزين والمواصلات ستقود النمو الاقتصادي لمجلس التعاون خلال عامي 2016 و2017م.
وأشار التقرير إلى أن أبرز العوامل التي ستؤثر في توقعات النمو في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، تتمثل في انكماش الإنفاق الحكومي، وتراجع استثمار القطاع الخاص، وارتفاع تكاليف تمويل العجز في الميزان الحكومي، في حين أبرز العوامل المتوقع تأثيرها بزيادة معدل التضخم في أسعار المستهلكين رفع الدعم عن المنتجات النفطية (وإن كانت هي محدودة في السعودية)، وارتفاع أسعار الفائدة بالمصارف.
وأشار التقرير الذي يركز على آفاق النمو الاقتصادي واتجاهات الأسعار في اقتصاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الفترة 2016- 2017 إلى تراجع معدل النمو في اقتصاد مجلس التعاون في عام 2016 إلى معدل 2.0 في المائة وهو معدل أقل من متوسط النمو خلال الفترة 2011- 2015، والبالغ 4.9 في المائة، ولكنه سيتحسن عام 2017 إلى 3.4 في المائة بالأسعار الثابتة، ونمو القطاع غير النفطي 3.9 في المائة، وأن يأخذ دور القيادة في النمو الاقتصادي في هذه الفترة في ظل تراجع أسعار النفط.
وسينكمش الناتج المحلي بنسبة 11 في المائة خلال عام 2016، وذلك بصورة أقل من معدل الانكماش في 2015 والبالغ 15 في المائة، ويبلغ معدل التضخم في عام 2016 نحو 2.6 في المائة وفي عام 2017 نحو 2.8 في المائة وهي معدلات أعلى بقليل عن متوسط التضخم في الفترة 2011- 2015 والبالغ 2.5 في المائة، رغم ذلك فهي أقل من معدل التضخم العالمي المتوقع في عامي 2016 و2017 ليصل إلى 3.4 في المائة و3.2 في المائة على التوالي.
غير أنه مع تنفيذ الدول الأعضاء لسياسات التصحيح المالي في إطار سعيها لتحقيق التوازن بين المحافظة على معدل النمو الاقتصادي واستدامة الإنفاق العام وما يتبع ذلك من تحسن في ثقة واستثمارات القطاع الخاص، فمن المتوقع أن يتحسن النمو في عام 2017 ليصل في حدود 3.4 في المائة.
تتجه الدولة نحو تأهيل الاقتصاد المحلي وفق المعايير الدولية تتماشى مع التوجهات الجديدة وفق التحول الاقتصادي 2020 ورؤية المملكة 2030، فمنعت من المضاربة على الأراضي البيضاء، ووضعت الرسوم التي تغير من مسار سوق الأراضي البيضاء لصالح الإسكان، سيكون المستفيد الأول المستهلك الذي حرم من المسكن في الفترة الماضية رغم الجهود الحثيثة التي تقدمها الدولة للمواطنين لذلك تلك الخطوة ستحد من ارتفاع الأسعار لصالح فئات محدودة من المجتمع.
الازدهار والرفاه لا يأتي بالدعم فقط التي امتازت بها الفترة الماضية، خصوصا أن العلاقة بين التضخم والنمو الاقتصادي علاقة طردية، حيث التضخم يعني زيادة العرض من أجل انخفاض الأسعار والعكس يحدث، وخلق المنافسة في السوق تخفيض المصاريف التشغيلية في الشركات التي تؤدي إلى خفض الأسعار.
وضع السعودية في ظل انخفاض أسعار النفط يختلف عن فترة انخفاض أسعار النفط إلى نحو عشرة دولارات في عام 1986 مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت الأسعار عند حدود 35 دولارا للبرميل أواخر عقد السبعينيات من القرن الماضي، تدنت إيرادات الحكومة إلى مستويات دنيا، ما تسبب في انكماش محدود في النشاط الاقتصادي عانت الدولة في تلك الفترة من البطالة وإن كانت محدودة، أي أنها عانت من تضخم انكماشي محدود deflation بينما مقومات الاقتصاد الحالي يختلف عن فترة منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
تحاول السعودية معالجة الثغرات الموجودة في الاقتصاد السعودي، فمثلا مشكلة البطالة لا تكمن فقط في توفير فرص عمل جديدة، لكن هناك تساؤلات مثل كيف أن 80 في المائة من الوظائف المستحدثة جاءت في المهن الهندسية المساعدة يشغلها 97 في المائة منها أجانب، وكيف أنه تم استحداث 417 ألف وظيفة في 2015 تم إشغالها بـ88 في المائة بأجانب، (الاقتصاد السعودي 2015، امتثال الثميري) فهل المعضلة في التعليم، أم في التدريب، أم في الأجور المنخفضة، ما يعني أن الشركات بحاجة إلى إعادة هيكلة بما يتناسب مع أجور السعوديين، وليس وفق أجور منخفضة لعمالة أجنبية مستقدمة مع توفر عمالة وطنية.
إذا الدولة تتجه نحو تهيئة القطاع الخاص للمرحلة المقبلة التي تعتزم الدولة التوجه نحوها، بأن تتمحور وأن يصبح اقتصادها من الاقتصادات الكبيرة تتجاوز العديد من الاقتصادات لتحتل مراكز متقدمة.
لذلك نجد أن 4113 مقاولاً مصنفاً في السعودية 64 في المائة منهم تصنيفهم في الحد الأدنى، والمقاولون ذوو الدرجة الأولى شكلوا 2 في المائة فقط من الإجمالي، كذلك فإن مقاولي نظافة المدن 1 في المائة منهم مصنفون في الدرجة الأولى ونحو 79 في المائة منهم في الدرجة الأدنى.
فالاقتصاد المعتمد على الاحتكار والمضاربة سيتلاشى نتيجة التشريعات التي بدأت الدولة في فرضها خصوصاً في ظل دخول شركاء دوليين إلى السوق، ولن تسمح الدولة بإفساح المجال أمام الغرائز الأنانية من أجل تحقيق الثراء السريع.
فالمنافسة تهوي بالأسعار، فمثلا خفضت المنافسة أسعار الفنادق في المدينة إلى 50 في المائة، وكذلك المواشي، ما جعل بعض مصانع الأعلاف تفتعل أزمة لرفع الأسعار من أجل رفع أسعار المواشي، حيث اتجهت إلى إغلاق مؤقت لخطوط الإنتاج (الاقتصادية، 23-8-2016، صفحة 7).
بالطبع هناك كثير من الأسعار لم تتغير رغم أن الأسعار العالمية انخفضت مثل أسعار المشروبات الغازية رغم انخفاض أهم عنصرين يدخلان في الإنتاج هما أسعار الألمنيوم والسكر، حيث انخفضت أسعارهما بنسبة 27 في المائة و17 في المائة على التوالي في يونيو 2016 ربطت الشركات رفع الأسعار بهما في عام 2009.
تود الدولة إلى تغيير سلوكيات الشركات والمؤسسات وحتى الأفراد لتحويل قراراتهم الادخارية والاستثمارية بجعلها ترسم الاقتصاد السعودي مستقبلا، وأن يتحولوا إلى أدوات التنمية في البلاد.