علي الخزيم
على متن طائرة متجهة إلى جدة سألني الراكب الشاب المُحْرِم بنية الحج: هل تنوي الإحرام قرب الميقات؟ فأجبته جواباً يحمل عدة أوجه، لأني حينها لم أكن حاجاً، وأردت أن أجاذبه أطراف الحديث عن الحج إذ وجدته مقبلاً على تمضية الوقت هدراً، ولأنه يبدو وكأنه لأول مرة يلبس الإحرامات كان مندفعاً شغوفاً للحديث بأي اتجاه فيما يتعلق بالحج، كما لمست أن لديه استفسارات يود معرفة جوابها قبل الوصول لظنه أنني أملك الإجابة، فكان مدخله للحديث هدية الحج للأهل والأقارب، فألقى السؤال الثاني: هل جهزت هداياك؟ قلت: وهل الهدايا تجهز قبل السفر؟ فشعرت أنه بنظراته يُقَلّل من رأيي ويستقل خبراتي بالسفر! وأردف قائلاً: أنا توجهت إلى سوق شهير بالرياض و(حرثته حرثاً) لجمع هدايا الصغار والنساء من والدة وأخوات، هكذا يقول (حرثت) فذكرني بأساليب جمهور ملاعب الكرة من الصغار حينما يصفون لاعبهم المفضل بأنه يحرث الملعب، وشعرت مرة أخرى أنني بجانب شخص احتاج معه لنفس طويل؛ أو تركه من البداية منعاً وتداركاً لنهاية غير مرغوبة للطرفين، سألته مجاملة: بعد حرث السوق كيف زرعته؟ فلم تعجبه المفردات، غير أنه يريد أن (يسولف) بأي طريقة، فأشار إلى أنه جمع كل ما حدده من هدايا وغلّفها ووضعها في (الغرفة العلوية) وكأنني أعرف غرف بيتهم أو أنى أسكن معهم، مما يوكد أنه (راعي طويلة)، حاولت جاهداً إخفاء ابتسامة كادت أن تفسد عليه انسجامه وتلذذه بفهلوته المزعومة، وحينما بدأ بتفصيل الهدايا وما خصصه للوالدة وأخوه (دحيم الصغير)، قاطعته محولاً الحديث إلى فقرة أقرب للهضم، عن الهدي والأضاحي وأحكام الحج، فوجدته لا يملك من الفهم سوى بالبالونات والصافرات كهدايا لصغار الأقارب، تمنيت له حجاً مبروراً واستأذنته لقراءة الصحف.
رويت الموقف لصديق فأكد لي أنه مع قرب مواسم الحج والسفر السياحي تنشط عمالة متدنية في أسواق الألعاب والمستلزمات والمستحضرات النسائية لإعداد توليفات على شكل هدايا معلبة جاهزة يتلقفها المسافرون والعازمون على الحج بزعم أنهم يتخلصون مبكراً من أعباء الهدايا وحتى لا تشغلهم عن أمور أهم في رحلاتهم.. وأضاف الصديق: إنه تلقى حافظة نقود كهدية من حاج وهو حينها لا يملك في دنياه سوى 12 ريالاً، وأذكر مرة أنني قمت بإحصاء ما أملكه من (مسابح) جمعتها من هدايا الحجاج والمعتمرين الأقارب فبلغت الثلاثين، ونصف هذا العدد من سجادات الصلاة، وثلث العدد السابق من حافظات النقود وهذه مؤلمة للبعض فيشعرون أحياناً أن من يُقَدّم لهم مثل هذه المحفظة يقصد تذكيرهم بوضعهم المادي الذي يجاهدون لستره.. ويقول صديق: إني قَدِمْت من العمرة ووزعت الهدايا على الصغار فنالني كم غامر من الشتائم والاعتراض من كبار السن بالعائلة، فاكتشفت نني سبَّبت لهم أرقاً دام عدة ليال بسبب صافرات وزميرات جلبتها للأطفال.
أرى أن اختيار الهدية ليس بالأمر السهل فلكل أسرة وضعها وظروفها ومقامات المُهْدى لهم، والحاذق من يختار هدية غير مكررة ولائقة مناسبة.