سعود عبدالعزيز الجنيدل
يذكر لي صديق عزيز قصة غيرت أموراً كثيرة في حياته، والقصة كما رواها لي تحميل في طياتها الكثير من قوة العزيمة وصلابة الإرادة.
يقول: كنت في أحد مستشفيات الرياض برفقة زوجتي، والطبيب قرر لها جلسات علاج يومية، ولمدة أسبوع، وكنا نجلس قرابة الساعة في غرفة مليئة بالممرضات اللاتي يشرفن على المرضى، وكنَّ من جنسيات مختلفة، فبعضهن من أوروبا، وأخريات من آسيا... والعجيب أن أمراً واحداً يجمعهن في التخاطب وهو اللغة الإنجليزية، وأنا بالكاد أعرف بعض الكلمات! مع أني جامعي، ومربي أجيال! وكانت تأتي إلينا ممرضة يبدو لي أنها من أوروبا الشرقية، فتحاول التواصل معنا بكلمات إنجليزية بسيطة جداً، ولكن وضعنا أنا وزوجتي أصابها بالصداع الحاد، لقلة معرفتنا باللغة الإنجليزية، ومن إحساسي بالضعف توجهت لسيارتي وكان معي معجم إنجليزي -عربي، ورجعت لزوجتي وهي على السرير وأنا أحمل هذا المعجم، وسألتني ماذا تفعل؟ فأجبتها أريد أن أحفظ كل الكلمات لكي أعرف التواصل مع الممرضة، ولكي لا تظن أننا جهال! فلمحت في عيني زوجتي نظرة رحمة وإشفاق، علمت بعدها أن الطريق طويل لكي أستطيع التواصل باللغة الإنجليزية، وهذا المعجم لن يفيدني كثيراً حتى لو حفظت كل ما بداخله.
ذلك الموقف كان شرارة الانطلاق لصديقي، فلقد بذل جهداً، ومازال يبذل، لكي يتقن اللغة الإنجليزية، لغة التواصل بين البشر، لغة الشركات من جميع الجنسيات، لغة العلم، وجواز المرور لثقافات العالم.
المشوار لم يكن سهلاً، والأسباب في ذلك كثيرة منها:
- العيش في مجتمع لا يكاد يتكلم اللغة الإنجليزية.
- عدم اقتناع كثير من الناس باللغة الإنجليزية، ويرى أن لا حاجة لها، فاللغة العربية كافية.
- عدم التأهيل الجيد في المدارس في جميع المراحل، وكأنها ليست مهمة.
ومع هذه المعوقات إلا أن صديقي شق طريقه، وأبحر مثل سفينة تمخر عباب البحر، وبدأ من الصفر، بأساليب كثيرة، ولكنه وكما كان يقول لي، لابد أن تزرع جيداً لتحصد جيداً، فاللغة عبارة عن بذور أودعتها في التربة، وعلى قدر عنايتك بهذه البذور، تحصد ثماراً ناضجة، فأنت تهيئ للبذور تربة صالحة، ثم تسقيها بالماء، وتستمر معتنياً بها، فكذلك اللغة توجد لنفسك مجتمعاً يتكلم اللغة الإنجليزية، وهذا سهل من خلال التكنولوجيا الحديثة، وتستمر بتغذية نفسك بهذه اللغة، حتى تتشربها، وتستمر في تشربها.
حقيقة هذه القوة والعزيمة التي ملكهما صديقي تستحقان الوقوف لهما احتراماً وتقديراً، وهذا ما نريده بالضبط، عزيمة، وإرادة، وإصرار؛ لكي نحقق أحلامنا وطموحاتنا مهما كانت صعبة، أو بعيدة المنال، فلا شيء مستحيل مع الإرادة الحديدية.
أذكر أن صديقي اختبر قبل خمسة أشهر اختبار الايلتس العالمي، لم يكن يفيده الاختبار وظيفياً، ولكنه أراد أن يعرف مستواه إلى أين وصل، ولقد أخبرني أنه حقق درجة أرضته، وهي (6)، وتعد بمقياس الاختبار أكثر من جيدة، بل يمكن أن يقال عنها إنها تدل على أن مستواه فوق المتوسط.
كما أنه مازال يتعلم ويقرأ، ويبذل جهداً كبيراً لكي يرتقي بمستواه أكثر، وأكثر.
إذن إتقان اللغة الأنجليزية ليس مستحيلاً في مجتمعنا، ولكنه يتطلب «عزيمة حديدية، وإرادة صلبة، وتصميماً فولاذياً» كما تمثلت عند صديقي، وأعتقد أن كثيراً منا يملكها، ونحن لا نعرف ذلك.
أخيراً.. سأخاطب نفسي قائلاً:
فَلَو أن ما أسعى لأدنى معيشة
كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
ولن أفسح المجال لكائن من كان أن يقول لي:
لا تطلب المجد إن المجد سلمه
صعب وعش مستريحاً ناعم البال
ماذا عنك؟ أيهما تفضل؟...