رمضان جريدي العنزي
التكافل الاجتماعي تقوية للروابط الروحية بين الأفراد، ونواة صلبة لمجتمع متكامل، وصمام أمان ضد انقجارات اجتماعية بسبب البطالة والفقر والضغوطات الاقتصادية ومتطلبات الحياة، وزرع المودة بين شرائح المجتمع، لذا فإن التكافل الاجتماعي ليس مقتصراً على النفع المادي وإن كان ذلك ركناً أساسياً فيه، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفراداً وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل الأمة.
إن مشاركة أفراد المجتمع في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له، وأن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.
لقد أكد ديننا الحنيف على التكافل بين أفراد الأسرة وجعله الرباط المحكم الذي يحفظ الأسرة من التفكك والانهيار، ويبدأ التكافل في محيط الأسرة من الزوجين بتحمل المسؤولية المشتركة في القيام بواجبات الأسرة ومتطلباتها كل بحسب وظيفته الفطرية التي فطره الله عليها، وينتهي إلى ما هو أعم وأشمل وأبعد من ذلك.
لقد أقام الإسلام تكافلاً مزدوجاً بين الفرد والجماعة، فأوجب على كل منهما التزامات تجاه الآخر، ومازج بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة، بحيث يكون تحقيق المصلحة الخاصة مكملاً للمصلحة العامة، وتحقيق المصلحة العامة متضمناً لمصلحة الفرد، فالفرد في المجتمع المسلم مسئول تضامنياً عن حفظ النظام العام، وعن التصرف الذي يمكن أن يسيء إلى المجتمع، أو يعطل بعض مصالحه.
إن التكافل الاجتماعي لا يقف عند تحقيق مصالح الجيل الحاضر، بل يتعدى ذلك إلى نظرة شاملة تضع في الاعتبار مصالح أجيال المستقبل، وهو ما من شأنه أن يسهم في حل كثير من الأزمات المعاصرة، ويحاصر كثيراً من الأخطار التي تواجه مستقبل الأفراد والجماعات.
من العرض السابق تتجلى الخطوط العامة لهذا التكافل، وإذا أردنا أن نتلمس بعض المظاهر التفصيلية لهذا التكافل نجد اهتمام ديننا الإسلامي الحنيف بالفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً، والتي هي المستهدفة غالباً بالتكافل الاجتماعي في مفهومه الضيق، لقد وجه الإسلام عناية خاصة بكبار السن والأيتام والقصر والأرامل والفقراء والمساكين وأصحاب الإعاقات والمنكوبين والمرضى والمكروبين والمشردين وأصحاب الحالات النفسية، وأوجب على المقتدرين الحرص على تتبع أحوالهم ورعايتهم والاهتمام بشؤونهم وقضاء حوائجهم وعدم تركهم فريسة للضياع والتشرد وممارسة السلوك الخاطئ والتيه في دروب الحرام.
إن التكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم الإنسان والتزامه الديني والأخلاقي، وهو نظام يقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضمير وطاعة الله عزَّ وجلّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية، بل يشمل أيضاً المعنوية.
إن الحديث عن التكافل الاجتماعي ليس فلسفة مجردة، أو انتقاء جمل، أو رص حروف، أو قصيدة سريالية، بل ممارسة فعلية، وربط بين الإيمان والفعل والسلوك.
إن الدولة أيدها الله وحفظها لا يمكن أن تقوم بواجبها نحو تحقيق التكافل الاجتماعي، إلا إذا ساهم معها أبناء المجتمع في بناء العدل الاجتماعي والبذل والإنفاق ابتغاء وجه الله ورحمته وجنته وغفرانه، وللوصول إلى مجتمع يتسم بالتراحم والتعاضد والتآخي والتعاون. إن الإنسان في التصور الإسلامي لا يعيش مستقلاً بنفسه، أو منزوياً في ركن لوحده، أو منعزلاً عن غيره، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية، بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة، وفي شؤون المجتمع.
إن التآخي والتعاضد والتعاون على تفقد أحوال الناس المحتاجين بكل أطيافهم وتنوعاتهم أفضل ألف مرة من التآخي والتساند على جمع «الديات» المبالغ فيها، نهماً وجشعاً ورياءً، ومساندة قاتل جان أزهق النفس، وأهرق الدم، ويتم الطفل، ورمل المرأة، وشتت الأسرة.
ولكي لا تذبل قيمنا النبيلة، وأخلاقنا الراقية، وتطلعاتنا الزاهية، علينا تفعيل التكافل الاجتماعي بكل صوره وطرقه وتشعباته وأشكالة، ابتداءً من المحيط القريب، ووصولاً إلى المحيط البعيد.
إن ديننا الإسلامي الحنيف أرسى لنا الأسس والقيم في هذا المجال، وعلى القادرين أن يعملوا وفق هذه الأسس وهذه القيم النبيلة، وأن يؤدوا فيه حق المادة والمعنى، وأن يسهموا بفعالية مؤثرة في العمل على تفعيل وتعميق هذا الفكر الاجتماعي، براً ومودةً وإحساناً، حتى ينعم أفراد المجتمع كلهم بالراحة والهناء والوئام والسلام.