سلمان بن محمد العُمري
من السنن الكونية التدافع بين الحق والباطل منذ أن خلق الله الخلق وعلى مدار التاريخ إلى نهاية هذه الدنيا، ولن تتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما يتعرض له ديننا الإسلامي منذ انطلاقة دعوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا صورة من صور التدافع بين الحق والباطل، وما خلا منها زمان أو مكان.
وهذا التدافع لاتباع الدين الإسلامي الحق لن يقتصر على عداء اليهود والنصارى لديننا الإسلامي بل شمل اتباع الهدي النبوي الحق وأصحاب الضلالات والبدع والملل والنحل ممن ابتدعوا في الدين أو من المنافقين ويلبسون على المسلمين بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي مقتضيات هذه السنن الكونية سيكون هناك الابتلاء والفتن ومكر الظالمين ومن الحقائق التي لا تغيب أن الغلبة والنصر في النهاية للحق {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}، وهي سنة الله تبارك وتعالى في خلقه إنه ناصر دينه وناصر الحق وأهله. والمتتبع في ما يجري على الساحة من أحداث يدرك الصراع بين الحق والباطل لا يزال بل يشتد ضراوة ومكراً وحيلة. {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}. ولكن المكر والحيلة والالتواء من هؤلاء بأن جعلوا المواجهة بين المسلمين أنفسهم بنصرهم تأييدهم لكل من سار على غير منهج السلف الصالح ودعمهم للفرق والملل والنحل الشاذة وليس ببعيد العهد المصالحة مع إيران على الرغم ما قامت به في الوقت الحالي من مذابح في العراق، والشام، ولبنان، واليمن، وتأجيجها لفتن طائفية في دول العالم الإسلامي، ولا يقف الأمر عند بلد واحد أو معسكر واحد «الكفر ملة واحدة» وهاهي روسيا تدخل تدخلاً سافراً في الشام لتعين الظالم على ظلمه وتتعهد مؤتمر «الضرار» المنعقد في قروزني العاصمة الشيشانية تحت عنوان: «من هم أهل السنة» وإذا ما عرفنا من هي الجهات الممولة لهذا المؤتمر ومن حضره ومن دعي إليه اتضحت الصورة جلية واضحة إنه في سياق المخططات الاستخباراتية للدول الراعية لحرب الإسلام وأهله والدول الصغيرة التي تدير شبكات لهذه الحرب بالوكالة وتدعم مؤسسات بمسميات إسلامية وهي مؤسسات راعية لـ(التصوف السياسي والدراويش)، وهذا المؤتمر وغيره من الأعمال التي قاموا بها هي من الأعمال التي يراد فيها تكريس الخلاف بين الأمة وزيادة الصراع والتفريق بين المسلمين والبُعد عن جادة الصواب. ولم يتطرق هذا المؤتمر لمآسي المسلمين عموماً وأهل السنة خصوصاً وأقرب مثال ما يواجهه المسلمون في الشام والعراق وغيرها من بلدان المسلمين.
وإذا كان هذا المؤتمر قد ضاق به البعض فإننا نتذكر قول الله تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وإننا نحمد الله - عزَّ وجلَّ - وندرك أن الله قدر الخير لهذه الأمة حتى ولو ظهر للبعض السوء فيه ولعلي أورد ما تحقق من فوائد في هذا المؤتمر «الهجين» ومنها:
- إن الله سبحانه وتعالى أراد بحكمته البالغة أن يميز الخبيث من الطيب فاصطفاف المعادين للدعوة السلفية ولأهل التوحيد في هذا المؤتمر أظهرهم على حقيقتهم وكشفهم وكشف من يدعمهم ويقف وراءهم ممن كان يدعي وقوفه معنا ومع أهل السنة والجماعة.
- إن هذا المؤتمر أبان وكشف الوجه الحقيقي لهؤلاء الذين يدعون انتماءهم لأهل السنة وقضاياهم وهاهم في هذا المحفل الكبير يتناسون عمداً وقصراً جراحات الأمة وهمومها ولا يدينون الظلمة والمعتدين على بلدان أهل السنة ولا ينتصرون لهم ولا للحق ولا يدفعون مظلمتهم ولو بكلمة إدانة ضد الحملات الرافضية والتنصيرية والصليبية.
- إن هذا المؤتمر أكد عملياً المخططات التي يقوم بها البعض في عداء السنة والسلفية وأكد حقيقة ما كان يحذر منه بعض الغيورين على السلفية من خطورة بعض المؤسسات المشبوهة التي تبنّتها بعض الدول لمؤسسة (طابة) التي أنشئت في عام 2005م وجمعت فيها زعامات التصوف السياسي في مشروع (هجين) وما تلاها من إنشاء ما يسمى بمجلس الحكماء لتكوين ما يسمى بمحور الإسلام المعتدل.
إن هذا المؤتمر وغيره من الأعمال والبرامج والمشاريع التي تقف خلفها دول وجماعات وأحزاب وفرق وتبذل له هذه الدول الأموال الطائلة وتجرى فيه التحالفات يتوجب علينا الانتباه والعمل الجاد فهذا المؤتمر يشكل ضربة لأهل السنة ولراعية الإسلام السني (المملكة العربية السعودية) وهي رسالة واضحة من هؤلاء ولم يعد عملهم في الخفاء فالإقصاء المتعمد لأهل السنة والتوصيات الصادرة والتحالفات السابقة بين بعض الدول يتطلب منا أن نعيد حساباتنا مع البعض، وأن نعيد حساباتنا مع أنفسنا فإن القوم يأتمرون بنا وخاصة في هذا الوقت العصيب الذي يصطف فيه هؤلاء مع ما تواجهه المملكة ضد المد الصفوي لتزيد التفتيت والانقسام.
يجب علينا أن نعود للساحة الإسلامية التي بدأنا نغيب عنها بصورة كبيرة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن نعيد النظر في تواصلنا مع العالم الإسلامي في الخارج، وأن نعيد النظر في برامجنا وأعمالنا، وأن نستفيد مما لدينا من قوة حسّيّة ومعنوية وخبرات وقدرات وإمكانات في صياغة عمل قادم يؤكد ريادة المملكة للعمل الإسلامي وأنها راعية للإسلام والمسلمين والمرجعية الأولى لهم والداعم للسنة وأهلها وتأكيد منهجها القائم على منهج أهل السنة والجماعة وفق فهم السلف الصالح.
والجميع يقدّر ما كتب من مقولات واستنكار لهذا المؤتمر ومع تقديري الشديد لما كتب من أطروحات ورؤى فالمطلوب ليس الأقوال فقط بل أعمال وبرامج تصحح المفاهيم وتعيد اسم المملكة للساحة الإسلامية والذي فقدته وعودة العمل الخيري المنظم عبر الهيئات والمؤسسات الشعبية إلى جانب الجهات الرسمية.