جاسر عبدالعزيز الجاسر
مع أن الإرهاب واحد، ونتائجه أيضاً واحدة، مثل القائمين به محددين ومعروفين، إلا أن تعريف الإرهاب وتشخيص الجهات التي تقوم به دولة وأنظمة وجماعات وأفراد تختلف عليه الدول وبالذات الدول التي نُصبت كدول كبرى، كل دولة في تلك الدول لها تعريف للإرهاب، وهذا التعريف ليس بالضرورة ثابتاً؛ إذ يتغير بتغير مصالح تلك الدول، ومع أن الإرهاب المادي الذي يتمثل في القتل والتفجير وتنفيذ الأعمال الإرهابية هو الأكثر تشخيصاً وتحديداً، إلا أن الإرهاب الفكري والسياسي وحتى الاقتصادي هو الأشد إيذاء، بل هو الذي أسس وأطلق الإرهاب العسكري والذي يتمثل في القتل والتفجير والعمليات الإرهابية التي انشغل بها المتضررون وغاب عنهم المحرضون لهذا الإرهاب الذي صنع المبرر، بل وحتى دفع الإرهابيين لخوض غمار هذا العمل اليائس.
ومع هذا فإن من أطلق الإرهاب ودفع الشعوب والجماعات إلى اللجوء إلى هذا النمط من المواجهة والرفض، رغم عدم القبول به من النسبة الكبرى من تلك الشعوب والجماعات، إذ عملوا باللجوء إلى هذا العمل على تحقيق ما هدف إليه من وضع أسس الإرهاب وأطلقه، فالاستجابة واستدراج المتضررين الذين هم عادة ما يكونون الجانب الأضعف، جعلهم في دائرة الرمي وهدفاً للذين استدرجوهم، وهكذا ورغم قيام العديد من الجماعات الدينية والقومية بتوظيف الإرهاب لتحقيق أهدافهم، فإنهم لم ينالوا التركيز ولا حتى الكشف عن أعمالهم وعملياتهم إلا تلك التي تظهر للملأ إذ يتم الحديث عنها قليلاً ثم يخفت.
وهكذا تناسى المجتمع الدولي كل العمليات الإرهابية التي نفذت من قبل الجماعات الأثنية والعرقية وحتى الأنظمة الشمولية والحروب العدوانية التي شنتها دول تدعي تمسكها بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتي أظهرتها الحملات العدوانية من احتلال وغزو أنها مخصصة لمجتمعاتهم أما من تخرج عن طوعهم من أمم ودول فالنتيجة غزو واحتلال وتصنيفهم كإرهابيين، ويستوي في هذا الغرب والشرق معاً، ممثلون بقائديهما أمريكا وروسيا، اللتين تمارسان الإرهاب الدولي دون أي ضابط أخلاقي أو سياسي ولا حتى أدبي، إضافة إلى تبنيهما ودعمهما لجماعات إرهابية بعضها معلن وبعضها خفي، وإذ كانت أمريكا قد دعمت جماعات وأنظمة إرهابية ولا تزال، منها نظام نوري المالكي وحتى نظام ملالي إيران وتعاونت معهما، فإنها تتساوى بل وتتفاهم مع روسيا في حصر الإرهاب بالمسلمين حصراً، بل وقصره في أهل السنة بالتحديد، وهو ما أظهرته بنود الاتفاق الأمريكي الروسي الخاص بسورية إذ رفعت الجماعات والمنظمات الإرهابية الطائفية من حزب حسن نصر الله الذي يسمونه زوراً حزب الله والمليشيات الإرهابية الطائفية القادمة من العراق وأفغانستان وإيران، ووصمت الجماعات الأخرى التابعة للمكون السني، ومع أن بعضها يمارسون الإرهاب ومنبوذون من أهل السنة إلا أنهم جروا التهم لآخرين لا يريدون أن يكونوا أدوات حرب الوكالة التي تشنها أمريكا وروسيا على المسلمين المتهمين بالإرهاب وهم الذين يتعرضون للإرهاب أصلاً.