يشكل الشباب في مجتمعنا السعودي نحو سبعين بالمئة من السكان في بلادنا المباركة، وإذا كان الأمر كذلك فإنه لزاماً علينا أن نولي هذه الشريحة من السكان أهمية كبيرة، وهذه الأهمية تكمن في عدة طرق ووسائل ولعل من أهمها وسيلة التعليم.. وحيث إن الطالب أو الطالبة الذي يتخرج من المرحلة الثانوية هو إنسان يقف على مفترق طرق وإذا لم نتصد لمثل هذه المرحلة العمرية فإنها ولاشك سوف تأخذ به الطرق ذات اليمين وذات الشمال بل أكثر من ذلك. إن هذه المرحلة العمرية يجب أن نتصدى لها بكل ما أوتينا من قوة وحكمة عبر عدة وسائل منها أن نقدم لمثل هذه المرحلة العمرية إشباعاً دينياً يعصمهم من الانحراف، ويجيب عن تساؤلاتهم الدينية. وليس هذا موجود إلا على مقاعد الدرس وقبب الجامعات ولن نتصدى لمثل ذلك إلا بواسطة التعليم. فإنه يجب أن ينبري لهذه المرحلة العمرية أشخاص تخصصوا في العلوم الدينية وعلم النفس وعلم الاجتماع..ولن يوجد هذا إلا على مقاعد الدراسة. إذا كان لمقالي هذا مندوحة فهي لا تتجاوز ملاحظة قد لا حظتها تقف سداً منيعاً للقضاء على الفراغ الذي يواجه بعض الشباب الذين لم تقبلهم جامعاتنا. إما لعدم قبول تام أو لعدم قبول نسبي، وإننا إذا تركنا الشاب دون الالتحاق بالجامعة وبدأ يهيم على وجهه لا يدري ماذا يصنع ومن ثم يكون عرضة للانحراف الفكري و عرضة لتعاطي المسكرات و المخدرات أو على الأقل يكون عرضة للأمراض النفسية. ما أريد قوله هو إنه يجب ألا نترك الشاب الذي يمثل هذه المرحلة العمرية عرضة للضياع والتمزق و الانحراف، وإني أعتقد أن المخرج من ذلك هو قبول الطلاب المتخرجين من الثانوية بأي حال من الأحوال دون وضع العراقيل أمامهم، وإلا كلفونا أكثر من ذلك فقد يكلفوننا تكلفة اجتماعية و اقتصادية
و يزيدوننا رهقاً في جميع أحوالنا المختلفة، ناهيكم عن تكلفتهم إيانا في المجال الفكري الذي يواجهنا اليوم بتبعاته. إذاً لا خلاص لنا من هذه التبعات إلا أن تستوعب الجامعات جميع الطلاب مهما كانت مستوياتهم التحصيلية. وإني أرى أن اختبار القياس والتحصيل الذي وُضع أمام خريج الثانوية هو عقبة كأداء لا مبرر لوجودها والحالة هذه. إن قبول جميع الطلاب خريجو الثانوية لا يعد أمراً صعباً بأي حال من الأحوال.. ولكي نخرج من مشكلة أعداد الخريجين الكثيرة فإنه يجب أن ننمي عند الخريج أنه ليس لزاماً على الدولة أن توظف كل الخريجين، و إنما الذي لزاماً عليها هو حمايتهم من الضياع ولن يكون ذلك إلا عند طريق تعليمهم ما يحميهم من الضياع. إن التعليم ولاسيما التعليم الجامعي يجب أن يكون لديه مخرجات مهذبة ومزكاة حتى تستطيع هذه المخرجات صون ذاتها من مزالق التفكير العفن و الانخراط في مهابط الرذيلة والانحراف الفكري والنفسي. إني على يقين لا يساورني فيه أدنى شك أنه اذا كانت مخرجات التعليم ولاسيما العالي على هذا النحو فإن هذه المخرجات لن تضل أبداً مهما كانت الظروف التي تواجهها في ميدان الحياة. إن التهذيب والتزكية وغرس الحكمة وصقل التجربة، تحمي الإنسان من أن يقع في المهالك. إننا لن نحمي شبابنا من الانحرافات أنى كان نوعها إلا إذا احتوت الجامعات جميع الخريجين و قبولهم مهما كانت مستوياتهم، وإلا وقعنا في أزمات نفسية و فكرية واجتماعية كان سببها هو فراغ عقل الشاب وتلاعب الشيطان في عقله.. وكان هذا الشاب أو ذاك فريسة سهلة لمن أراد إفساده. إن الفراغ هو أول الأسباب لانحراف الإنسان وكما يقول الإنجليز (لا يبيت الشيطان إلا في العقل الفارغ) إذا ما أود توصيله من أفكار حول هذا المقال هو ألا نجعل الشاب أو الشابة بعد التخرج من الثانوية عرضة للانحراف النفسي والفكري والاجتماعي. ولن نبتعد عن ذلك إلا بإشغال عقولهم و إلا أشغلونا بانحرافاتهم الفكرية و النفسية و الاجتماعية. إني أرى أن قبول خريجي الثانوية أمر سهل فما علينا إلا أن نبني القاعات الواسعة ونعطي المحاضر ميكرفون ليعلو صوته هذا قصارى ما نتكلفه في التعليم العالي، ولنا في غيرنا أسوة في بعض البلدان العربية. إذا إني أرى أنه لا مناص من إشغال الشباب بالتحاقهم كلهم في التعليم العالي وأن يكونوا في تلك المرحلة العمرية التي يكثر الانحراف إبانها ولن يكون ذلك إلا بإشغالهم في التعليم العالي. وإن دولتنا الرشيدة أعزها الله لن تبخل لكل أمر فيه مصلحة لشبابها في بذل الأسباب التي تمنع الشاب في أن يقع فريسة للانحراف الفكري أنى كان. والله ولي التوفيق.