د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في تجربةٍ تستحق التأمل طرح صاحبكم جوانب من سيرته «الصحفية والإذاعية» عبر تطبيق «سناب شات»، وامتدت كل سيرةٍ عشر حلقات تتفاوت مددُها بين خمس إلى ثماني دقائق ووجد أصداءً لم يتوقعها تجاوبًا وتفاعلًا وتساؤلات، وطُلب استمرارُها في سيرٍ مماثلةٍ تتعلق بعمله الحكومي والأهلي، وتجربته في التأليف ومع الناشرين، والرموز الذين التقى بهم، ووجد من نفسه عزمًا على مواصلتها وإن آثر توقفًا مؤقتًا كي لا يَكلَّ ولا يُمِلّ.
** الصوت والصورة يؤثِّران أكثر من الكتابة، مثلما يزداد التفاعل كلما جاءت الحكايات عفويةً، غيرَمطولةٍ، مستعينةً بالتوثيق السريع، نائيةً عن جدليات السياسة والاقتصاد وصخب الأنداد والأضداد.
** ومثلما عرَّت الوسائطُ دواخل نفوسنا ومخارجَ عقولنا فاكتشفنا خيباتنا من فئامٍ حمل لهم المجتمعُ بعضَ احتفاء فقد حظينا بآخرين لم يكن مقدرًا لنا معرفتُهم وهم يضاهئون الكبار علمًا وعملًا وأرواحًا رضيةً مطمئنةً، وهنا الفارقُ بين البشر؛ فمنهم من تسعى إليه وفيهم من تزورُّ عنه.
** لم يلقَ الكتاب المسموعُ انتشارًا كبيرًا، والظن أن للنص المرئي حظًا أكبر؛ فكذا تجد النصوص الشعرية والقراءات النقدية والعروض السيريةُ والزيارات الميدانية والحوارات الشخصية قبولًا عبر الوسائط الملائمة لها؛ فبين أيدي الناس محطاتُهم الخاصةُ بهم، وكلٌّ يبث وفق ما يدفعه إليه وعيه وتسعفه مدركاته، والأهم أنك تستطيع انتقاء جمهورك فلست مجبرًا على استضافة الجميع.
** لم يدخل بعضنا الوسيط الذي انتقاه ليُباهيَ بالمعادل الكمي بل ليتباهى بالتفاهم النوعي، وهذا جانب إيجابي للتواصل المسموع المرئي، كما قد يَستبدل بالسير المكتوبة ما يشبه القصَّ «الحكائي» الذي يجد استقبالًا معقولًا في التاريخ الشفاهي.
** في الضفة السلبية لم تعد وسائطُ التواصل «المرئيةُ» ذاتَ هدفٍ بل صارت ميدانًا لرؤية المتواصل في جميع أحواله منذ أن يصحوَ من النوم حتى يغطَّ فيه، وهو ما يثير الاشمئزاز، كما أن بعض قضايا النقاش فيها تتدنى لتلامس ما ستره الله من قبائح وفضائح، ولعل السبب يعود إلى أن معظم مستخدميها في الفئة العمرية «العشرينية» ممن باتوا يُعلِّمون أنفسَهم بأنفسهم ولا يجدون أو لا يريدون من يوجههم، وبخاصة أن المعرفات الوهمية والمُجتزأة تسُودُ صفحاتِها وتوائم متصفحيها.
** في زمننا كانت الرسالة الخطية مع ذوينا ومحبينا سيدة الميدان، وربما استعان أهلنا بتسجيلات صوتية كي يقول الجميع مشاعرهم وأخبارهم، وقد عادت الرسالة عبر «التكاتب» والشريطُ من خلال «التسانب»؛ فتبدل الأسلوب وبقي المنهج، وهو ما يجعل القديم لا يتلاشى بل يُستنسخ بأشكالٍ أفضل وأداءٍ أسرع.
** هذه هي الحياة؛ فلا شيء يفنى بل يتحول كما تقول النظرية العلمية عن المادة، وهو ما يعني أننا لم نتخطَّ مكاننا ولا زماننا وإن شُبه لنا هذا؛ فإنما نحن متلقون.
** الاستقبال وعاءٌ لا وعي.