د. عبدالرحمن الشلاش
العيد حالة غير عادية من الفرح والسرور وإظهار البهجة في عيون الصغار والكبار، الأغنياء منهم والفقراء. فمن يصنع هذه الحالة غير العادية؟ ومن يرسم تفاصيلها وينسج خيوط ملامحها، ويطرز مظاهرها ومخابرها، ويطلق ما في النفوس من فرح وسرور؟
كثر الجدل حول العيد حتى أخرجه البعض من سياقه الطبيعي الذي جاء ضمن تعاليم الدين الإسلامي؛ إذ يدعو لإظهار الفرح والسرور بكل مباح، والتوسيع على النفس والأهل دون إسراف أو تبذير أو تفاخر أو منافسات أو بذخ.. فرح وسرور تتجدد بهما الحياة، ويكسر الروتين. يتقارب فيه الناس. تزيد فيه الروابط بين الناس. يشعر فيه كل فرد بالإنجاز، ويتطلع لمستقبل أفضل، وأيام أحلى.
لا ننكر أن هناك مَنْ يبالغ في الفرح إلى الحد الذي يتعدى فيه على حريات الآخرين بسلوكيات غير مقبولة، تصل لإيذاء الجيران، وجلب الألعاب النارية للأطفال، ورفع أصوات الأغاني والشيلات دون مراعاة أن هناك مريضًا أو نائمًا أو مسنًّا أو مسنة، ترهقهم الأفراح الصاخبة الخارجة عن حدود المعقول! وكأن هذا المزعج قد ملك الحي بأكمله، وحوَّل منزله لقاعة صاخبة تبث الصراخ لكل أرجاء الحي، واستضاف العشرات حتى أغلقت سياراتهم كل الشوارع المحيطة. لو مثل هذا أقام مخيمًا خارج المدينة، أو أستأجر استراحة؛ ليقيم فيها أفراحه، ويفرغ ما بداخله من طاقة هائلة، ربما يكون أفضل بكثير من انتهاك حريات الناس.
هناك فئات ربما قليلة، لكن لها صوت مؤثر لدى بعض الأتباع، يرون عدم إظهار الفرح لدواعٍ وأسباب، مثل قولهم كيف تفرحون والأمة تعاني؟ كيف تفرحون وأنتم لا تدرون هل قُبلت أعمالكم أم لم تُقبل؟ رغم أن هذه أمور ليست بيد الإنسان فهل إيقافه للفرحة والتعبير عنها سيكون سببًا في انتصار الأمة وقبول الأعمال؟
هناك من يتعامل مع الأعياد بسلبية متطرفة؛ فيقضيها في النوم، ولا يُظهر أي اهتمام بالعيد، وعندما تسأله عن السبب يسرد لك أسبابًا غير منطقية. يقول مثلاً إنه لا يوجد ما يحفز أو يشجع، وإن الأجواء غير ملائمة، ولا توجد مظاهر مميزة مثل غيرنا.
والسؤال: هل ننتظر من يصنع لنا الفرحة أم أننا قادرون على صناعتها؟
الفرحة تنبع من دواخلنا، ومستحيل أن يصنعها لنا الغير. بأبسط الإمكانات مع تجمع الأحباب وسماحة النفوس والتغاضي والإيثار قد نستغرق في فرح كبير، يحسدنا عليه أكثر الناس غنى وثراء.