من أجود التعريفات التي تناولت مفهوم العقيدة العسكرية، ما جاء في مجلة الحرس الوطني - العدد 326 وتاريخ 1/ 2/ 2010م بأنها: «مجموعة المبررات والمنطلقات الإنسانية والدينية والأخلاقية، والقناعات الفكرية المنضبطة التي تمنح المشروعية للقوات العسكرية للقيام بعمل ما»، وبناءً عليه يمكن توصيف العمل العسكري الذي قامت به المملكة العربية السعودية وأشقاؤها في قوات التحالف ضد مجموعة الانقلابيين الحوثيين من خلال تحليل عناصر هذا التعريف، فإذا بحثنا عن المبررات والأسباب الإنسانية والدينية والأخلاقية، وجدنا عدداً من المبررات التي دفعت لهذا العمل بعد أن استنفدت المملكة العربية السعودية كافة الخيارات كما هي عادتها في نزع فتيل الأزمات، ومن الدواعي لهذا العمل على سبيل المثال تحركات مليشيات جماعة الحوثي والمخلوع صالح المريبة في الداخل اليمني، والإمدادات العسكرية والدعم اللوجستي التي تتلقاها الجماعة من الخارج، يهدفون من وراء ذلك إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن ودول المنطقة، إضافة لما رصدته أجهزة المخابرات العسكرية السعودية من أن هناك خطراً وشيكاً وتحركات مريبة من طرف هذه الجماعة، التي أصبحت تحركاتها تهدد الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية والأمن الإقليمي للمنطقة بشكل عام، وإذا نظرنا كذلك إلى نداء الاستغاثة الذي توجه به فخامة الرئيس اليمني إلى المملكة العربية السعودية ودول التحالف، على ما آلت إليه الأوضاع الأمنية في اليمن من تدهور شديد وبالغ الخطورة جراء الأعمال العدوانية المستمرة والاعتداءات المتواصلة على سيادة اليمن بهدف تفتيته وضرب أمنه واستقراره.
وما إن شاهدنا تحرك الدبلوماسية السعودية وحليفاتها نحو المجتمع الدولي، إلا تيقنا بأن هذا الحراك يسعى للحصول عن سند قانوني مشروع، يمنح دول التحالف المشروعية للقيام بواجب نصرة السلطة الشرعية في اليمن باعتبارها دولة جوار، وإعادة الشرعية للشعب وحماية أمن المنطقة من أي محاولة اعتداء، الأمر الذي أثمر معه نيل قوات التحالف قراراً من مجلس الأمن برقم (2216) تحت البند السابع، يقضي باتهام جماعة الحوثي الانقلابية بتهمة «تقويض السلام والأمن والاستقرار» في اليمن، وطالبهم مجلس الأمن بالقيام بعدد من الخطوات بصورة عاجلة دون قيد أو شرط، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.
من خلال توافر هذه العناصر مجتمعة أصبحنا أمام عقيدة عسكرية مكتملة الأركان والشروط والأسباب، ومما لا ريب فيه أن بناء هذه العقيدة على هذه الصورة، كان له أعظم الأثر في شحذ الروح القتالية في نفوس رجال القوات العسكرية، التي تتعاظم همهم القتالية في كل حين مع عظمة البقاع والأرض المرابطين على أمنها، باعتبار هذه العقيدة نابعة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي حرّم كل عدوان واعتداء على الغير، بل أوجب على العكس من ذلك نصرة المستنصرين بإخوانهم في الدين، ورد العدوان، وإغاثة الملهوفين.
لذلك حرصت الاستراتيجية العسكرية في المملكة على غرس قيم الإيمان، والمروءة، والوفاء، والكرامة، والعدالة، والشجاعة، والصبر، والشهامة في نفوس رجال القوات العسكرية، وتنشئتهم على عقيدة ثابتة صلبة منطلقة في الأساس من عقيدتنا الإسلامية التي تدين بها الأمة جمعاء، باعتبارها فرعاً عن العقيدة الأم والتي تبنى عليها أصول الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر، وهذه الأصول العظيمة هي المؤثر والمحرك الأول للعقيدة العسكرية في قلوب أبناء القوات الباسلة، وهذا يؤكد على مدى التزام المملكة العربية السعودية بحماية العقيدة الإسلامية، كما جاء في نظامها الأساسي للحكم في مادته الثالثة والعشرين «تحمي الدولة عقيدة الإسلام .. إلخ».
تتأثر العقيدة العسكرية في أي دولة بالأهداف والغايات العليا لتلك الدولة وتنبثق منها، غير أن المملكة العربية السعودية بحكم اتخاذها الشريعة الإسلامية نظام حكم وفق سياسة شرعية رشيدة، كما نص على ذلك في المواد (الأولى، والسابعة، والثالثة والعشرين، والخامسة والخمسين) من نظامها الأساسي، فإنها عندما حددت الأسس والمبادئ الأساسية التي قامت عليها الاستراتيجية العسكرية لم تخرج عن هذه الأصول، ولا يمكن أن تحيد عنها مهما كلف الأمر، وقد جاء ذلك على لسان ملوكها على امتداد التاريخ البعيد والقريب في كل المحافل التي يلتقي فيها ولاة الأمر مع أبنائهم المواطنين، فلا غرابة إذن عندما نشاهد أو نسمع عن بطولات ومواقف سجلها التاريخ لأبطال القوات العسكرية في ميادين العزة والشرف والكرامة.
- دكتوراه في الشريعة والقانون