فكرت كثيراً قبل كتابة هذا المقال - لكن الذي شد من أزري ودفعني أن موضوع استغلال الوقت حساس وهام للغاية لأنه محور يدور كل إنسان في فلكه، لذا فإن موضوع الوقت من أخطر المواضيع التي يجب أن تناقش، ولم أجد كتباً كثيرة حول هذا الموضوع.
الناس يعرفون لماذا الوقت مهم ولكن الكثير والكثير جداً لا يعرفون كيف يستغلونه. وقد قال حكيم (من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه أر فرض أداه أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه). وهناك أنواع ثلاثة للفراغ أولها الفراغ العقلي - والعقل جوهرة ثمينة يمتلكها الإنسان فهو يتساوى بدون استخدام عقله مع الدواب والله جل وعلا يقول {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} لذلك جعل الله تعالى صفة الفراغ العقلي للحيوانات. والإنسان عندما يعطل عقله بما يفيده يتساوى مع الدواب. وقد قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- (أصل الرجل عقله وحسبه دينه ومروءته خلقه).
وهنا لابد من ملء الذهن بما ينفع، وإذا عاش الإنسان في فراغ عقلي فإنما كتب على حياته بالعزلة وإن ملأ عقله بما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته فالفوز له في الدنيا والآخرة. وثانيها الفراغ القلبي حيث إن القلب مضغة بحياتها يحيى الجسد. واطلب قلبك في ثلاثة أمور عند سماع القرآن الكريم وفي مجالس الذكر وفي أوقات الخلوة فإن لم تجده في هذه المواطن فاسأل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك. أما النوع الثالث للفراغ -هو الفراغ النفسي- حيث إن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وللأسف عندنا إن لم يكن الوقت كله أو أغلبه عند السواد الكبير أوقاتا فارغة ولا فائدة منها - وهذي لن تعود أبداً. وهذا كله راجع لثقافة المجتمع كافة من الأسرة إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام فيكاد لا دور لها في هذا الموضوع الهام جداً. وبالمقارنة بين مجتمعنا والمجتمعات المتقدمة ترى الغالبية الكبرى عندهم يستغلون أوقات فراغهم بما ينفعهم بالقراءة والاطلاع في الحدائق وفي انتظار وسائل النقل التي يستخدمونها من حافلات إلى قطارات ومطارات وطائرات بل يتعدى ذلك إلى أن الأم أو الأب يقومان بالقراءة ويكون معه كتب خاصة بالأبناء. وهنا تم استغلال هذه الأقات بما يعود بالفائدة والإثراء المعرفي بخلاف ما هو حاصل عندنا فإن الوقت يهدر بلاء فائدة -وعندما يسأل الفرد فالجواب دائماً ليس لدي وقت- والحقيقة أن الوقت عنده كبير ولكن مهدر تماماً قي أمورلا تفيده إطلاقاً لاعلمياً ولا ثقافياً ولا معرفياً ولا حتى جسدياً. وهنا يتضح الفارق بين أوقاتنا وأوقاتهم حيث جنت من أوقات فراغها فائدة عظيمة جنتها وتجنيها وخير مثال تقدمها ورقيها في كافة المجالات. إن القراءة والاطلاع مصرف كبير من مصارف استغلال الوقت لذا تناولته وأسهبت فيه وإن من كثرت قراءته واطلاعه في كتب متنوعة كانت له سبيل في فهم الكثير من الأمور كما تمنح صاحبها القدرة على التدبر والتحليل وإبداء الرأي السليم وإذا نتقد فإنه ينقد بعين بصيرة، وهذا خلاف ما هو حاصل عندنا فترى الغالبية يتسابقون على إبداء الرأي والنقد بلا بصيرة وقد ذكر الله جل وعلى في كتابه الكريم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. إن التنوع في القراءة يجعلك لا تمل ولا تكل وتجني مخزونا معرفيا متكاملا وهكذا ستجني الكثير من التبصر في كافة أمورك الحياتية، لذا أخي القارئ عد العدة ولا تنظر لمفات ولكن الحاضر والمستقبل وأن تبادر لتخصيص وقت للقراءة حسب وقتك ودرّب أبنائك وشجعهم على الاطلاع واختر الكتب المناسبة لأعمارهم، حيث إن ذلك سيعود بالنفع الكبير لك ولأبنائك. وأختم في رواية لأبن خلدون أن هارون الرشيد - لما دفع ولده الأمين إلى المعلم أوكما كان يطلق عليه المؤدب قال له (أقرئه القرآن، وعرفه الأخبار، وروه الأشعار، وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام، وأمنعه من الضحك إلا في أوقاته). وكيف في وقتنا الحاضر من سهولة نهل العلم وتوفر الوسائل الكفيلة المساعدة للاطلاع والثقافة.
سؤال من المتسبب؟ ومن الخاسر؟ وخير أن تبدأ من البقاء - وستجد الفرق. والله من وراء القصد.