محمد أبا الخيل
منذ قيام الدولة الإسلامية في إيران وهي لم تدع مخالفة في كتاب العلاقات الدولية إلا واقترفتها مراراً وتكراراً؛ فمن خطف الدبلوماسيين كرهائن وحرق السفارات والممثليات الأجنبية إلى التدخل في شؤون الدول المجاورة وزراعة القلاقل وتدبير وتمويل الأعمال الإرهابية ومحاولة ضرب أسافين الخلافات بين الشعوب وحكوماتهم، إيران الدولة منذ تولاها الخميني وهي لا همّ لها إلا إشاعة الفوضى والاحتراب بين العرب، خصوصاً بإحياء الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة وليس لها هدف أهم من مشاحنة ومعاداة المملكة العربية السعودية خصوصاً، في أحد خطابات معالي الوزير عادل الجبير قال «نتمنى ونأمل أن تكون إيران -هذه الأمة العظيمة- جاراً عظيماً لنا، ولكن ذلك يحتاج وفاق الطرفين، ذلك يتطلب الرغبة في التخلي عن السياسات التوسعية والعدوانية والعودة إلى الأعراف والسلوكيات الدولية إذا ما أراد الإيرانيون أن يتعامل معهم العالم، ونحن أيدينا ممدودة لهم بل هي ممدودة منذ 35 سنة».
معالي الوزير كان يعبر عن سياسة المملكة تجاه إيران منذ قيام ثورة الآيات، فالمملكة كانت وما زالت دائماً تطمح في علاقات مثالية مع إيران، ولكن هيهات أن يكون ذلك وإيران دولة جعلت صلب سياستها في العداء للمملكة وتحين الفرص للعدوان عليها بشتى الطرق، فإيران الدولة تقوم اليوم على منهج ولاية الفقيه الذي يقوم على أن ولاية الفقيه شاملة ولازمة لكل المسلمين ومن أساسياتها ولايته على الحرمين الشريفين.
في قرابة العام (1230هـ) قرب السلطان القاجاري فتح علي شاه الفقيه الشيعي المعروف بالملا أحمد النراقي بعد أن سمع عن طروحاته فيما يخص الولاية العامة في المذهب الشيعي، وكان السلطان القاجاري يسعى لدى فقهاء الشيعة لحملهم على تفويضه بتجنيد الشيعة لحرب الروس والجهاد في سبيل حماية بلاد الإسلام، لذا استطاع أن يقنع الفقيه النراقي الذي كتب رسائل في تفويض الفقيه ولاية عامة دائمة على المسلمين جمعها في كتاب (عوائد الأيام في مهمات أدلة الأحكام)، أخذ فتح علي شاه ذلك التفويض ولكنه لم يسعَ لحرب الروس فقط، بل إنه وجّه معظم جيشه نحو الغرب لاحتلال العراق ومحاربة الدولة العثمانية السنية، فتح علي شاه كان يريد السيطرة على العتبات المقدسة عند الشيعة في كربلاء وسامراء ومن ثم يعد حملة أكبر يتجه بها نحو الحرمين الشريفين، ففتح علي شاه لم يكن سلطاناً تقليدياً كباقي سلاطين القاجار، بل كان متديناً وفقيهاً بالمذهب الشيعي ومؤمناً بولاية الفقيه وله طموحات توسعية في الشام والحجاز ومصر، وكانت الدولة العثمانية تعي قوة القاجار وصلابة إرادتهم؛ لذا أعدت جيشاً كبيراً لصد تلك الأطماع وتحقق لها ذلك عندما هزمت الجيش القاجاري ووقعت معهم معاهدة (أرضروم) في عام (1235هـ).
الدولة الإسلامية في إيران هي إرث حقيقي لفكر فتح علي شاه، بل هي إعادة الحياة في تلك الأطماع وباتت أهم أهدافها، لذا لن تتخلى إيران عن العداء للمملكة العربية السعودية طالما هي تعتقد بحق ولاية فقيهها (الخامنئي) على المسلمين جميعاً ومقدساتهم، إيران هي أشبه ما تكون اليوم بدولة (هتلر) النازية، حيث لا تعترف بحقوق وسيادات الدول على أراضيها ومواطنيها، فغايتها هي التوسع والسيطرة على كل ما يجعلها سلطة أكبر ويمنح فقيهها قدسية وولاية أكبر.
مهما طال الزمن فمصير حكومة ولاية الفقيه الثانية إلى الزوال كمصير الأولى التي زاولها فتح علي شاه، ولكن المؤسف أن يكون حظ الإيرانيين من هذه الفكرة الجنونية هو التخلف والانحطاط ورهن مقدراتهم ومستقبلهم لطموحات فاشلة، نتمنى ألا تطول غمة شعب إيران وأن يسرع الله في خلاصهم من هذا الهم الجاثم عليهم.