إبراهيم الطاسان
عندما تحط الرحال، وتترك حاملات الأثقال (المذكورة في القرآن الكريم)؛ لترتع وتستريح من أحمالها، تترهل مكتنزة باللحم والشحم، وتستبدن (تمتلئ بطونها)؛ فتكون أشد وأقوى، وتنسى أنها مستأنسة؛ فتعصي وتتمرد؛ ما يستدعي تطويعها وإعادة تأهيلها لمواجهة مشقة الطريق وأثقال أحمالها. وعودة بالذاكرة قليلاً لحال مخالب الفُرس خفافيش الكهوف الحوثية، وحية الرمل المخلوع، نجدهم ماثلوا حاملات الأثقال. نتذكر أنهم لم يوافقوا على ما سُمي بالهدنة التي تلاها محادثات جنيف الأولى والثانية إلا بعدما كادت تخور قواهم على الطريق؛ فاستغلوا الهدنة للبدانة (إمدادات وتحشيد واستقبال الأسلحة والذخائر المهربة) استعدادًا لجولة أخرى من المماطلة والتسويف والمخادعة، والوعود والعهود ونقضها. استُقبلوا في مقر المباحثات، وفُرش لهم السجاد الأحمر، وهم لم يتعودوا إلا على المشي على الدماء. هذه المعاملة أذكت فيهم الطمع بشرعيتهم؛ فتصلبوا، ووعدوا، وأخلفوا.. وليس ذلك من إرادتهم الذاتية، إنما هي بإيعازات خارجية، لا تبرأ منها الدول الغربية والشرقية؛ إذ يستدل عليها بمواقف تستند إلى ما يسمونه بالرأي العام، وهو في حقيقته ليس إلا أصوات لوبيات أجيرة عند مستأجر. وموقف المندوب الروسي في مجلس الأمن الذي لم يحتمل إعلان رسالة تنديد لمعرقلي عملية التفاوض في جولتها الأخيرة في الكويت بين الشرعية والانقلابين.. كلها إرهاصات تدل على رغبة الشرق - ممثلاً بالدب الروسي أصالة ونيابة عن نفسه وشريكه في الجريمة السورية «رماد نار فارس» - وهو موقف يوافق هوى دول الغرب لما وراء الأطلسي وما دونه. كلها تسعى وتعمل بأفكارها لتحقيق غاية استراتيجية بعيدة المدى، وتستهدف «بدانة» حاملات الأثقال بين حين وآخر، بالدعوة للهدن، والنصح، والتحذير أحيانًا، وربما التهديد والوعيد بقطع إمدادات مصادرها من هذه أو تلك من الدول لعدم تحرير صنعاء؛ لان دخول صنعاء يعني (قطعت جهينة قول كل خطيب) لغرض استنزاف الأطراف الأخرى، باستغلال ما قد بنجم من أثر عن الظرف الزماني على الظروف الاقتصادية غير المواتية. لذا كانت الهدن من أساسيات الخطة للغرب والشرق. ولولا ذلك، فماذا بقي أمام مجلس الأمن الذي أصدر قرارًا، لم يجرؤ على مثله من قبل في الجرأة والوضوح والتفصيل، وترتيب الأولويات، والأزمنة، والآليات. ومما لا شك فيه أن صياغة القرار لم تكن وليدة غيرة أعضاء مجلس الأمن الدائمين، ولا تلك المغتصبة للحوق (بالنقض) على أمن واستقرار اليمن، وحكومته الشرعية، إنما هي نتيجة جهد سياسي ودبلوماسي بارع مدرك لأبعاد الحدث وما سيؤول إليه مستقبلاً إن لم يواجه بسند شرعي معولم، قام به دبلوماسيو الخليج العربي وأشقاؤهم بدعم من أصدقائهم (تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا)؛ ليصدر قرار (2216) الذي لا يحتاج لمباحثات ولا مؤتمرات، ولا دبلوماسيات مكوكية بين هذه وتلك من العواصم؛ ليأتي بعد أكثر من سبعة عشر شهرًا، بينما نص القرار على إفادة المجلس عن مدى التزام الأطراف به خلال عشرة أيام من صدوره. من يبرر لعدم الموافقة على إصدار بيان رئاسي أو بيان صحفي يستنكر على الانقلابيين تعطيلهم لتنفيذ القرار. في رأيي، لم تكن روسيا منفردة بهذا التوجه، إنما هي لسان حال ما وراء ودون الأطلسي. الغاية استنزاف دول التحالف بما يؤول إليه من احتمالات للخلافات واختلاف الرؤية نتيجة للاستنزاف؛ وبالتالي بروز المشاكل فيما بين الحلفاء وشعوبهم. وهي اللحظة المنتظرة التي يستهدفها الغرب والشرق، وقبلهم الفرس. فالعراق عبثت به مليشيات الحشد الشعبي الإيرانية العقد والعقيدة، وسيصبح سهمًا مسمومًا موجهًا للخاصرة الشمالية للجزيرة العربية. والحيطة دعت المتربصين إلى أن تجهز الأرض اليمنية؛ لتكون الوجه الآخر للسهام المسمومة. لا شك عندي أن قيادتنا تدرك ذلك وما وراءه ودونه، ولكن الذي لا أدركه: لماذا لم يقطع رأس الحية؟ فقطع رأسها أسهل من اقتلاع أنيابها؛ فبقطع الرأس يذهب الرأس والأنياب تبعًا له. بإنهاء المخلوع وعبدالملك الحوثي - وهما رأسا الحية - ستذهب الأنياب المتمثلة في المليشيات والمرتزقة؛ إذ إن فشل استرداد الشرعية لليمن كله لا يعني إلا أن تكون الساحة اليمنية مرتعًا لكل مرتزقة إفريقيا وآسيا، والمنظمات الإرهابية المعروفة، وما سيولد من أرحامها من منظمات أشد وأنكر أفعلاً من المعروفة... والفرس جاهزون لتمويل وتغذية كل منظمة إرهابية.