يقال إن اللغة العربية هي سيدة اللغات وهي أجمل وأعظم وأرقى لغة في العالم ولا تعادلها أي لغة أخرى في العلم والفن والأدب والجمال، وهذه المقولة صحيحة تماماً.
من الملاحظ أن أغلب الطلاب يعانون ضعفاً في اللغة العربية الفصحى والسبب أساليب التدريس المتبعة في المدارس والجامعات في بلدنا، وهذه الأزمة لا تقتصر على الأشخاص السامعين فقط بل هي موجودة أيضاً بشكل لافت عند الطلاب الصم، ويعتبر تعليم اللغة العربية للجميع بمن فيهم الصم جزءا لا يتجزأ من مسؤوليات وزارة التعليم وهي مؤسسة تعليمية وتربوية.
أجزم أن معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى يعلم تمام العلم عن وجود هذه الأزمة وأنا متفائل بأنه قادر على التغيير ورفع جودة التعليم لكونه رجلا مفكرا أكاديميا وقائدا متمكنا في وزارة التعليم وأثق بقدراته ورؤيته في مجال التعليم في بلدنا وأتمنى منه أن يقرأ هذا المقال ويتأمل قليلاً.
إن الدراسات الحديثة تثبت أن الأصم إنسان يتمتع بكامل قواه العقلية والنفسية والجسدية، فالأصم مثله مثل أي إنسان طبيعي باستثناء السمع وهذا شيء بسيط جداً مما يجعله يعتمد على لغة الإشارة كلغة بصرية وشفوية وجسدية ليتمكن من التواصل البصري Visual Language)) وتعتبر اللغة العربية –على سبيل المثال- هي لغة ثانية للصم ولكن هذا الحال لا ينطبق على جميع الطلاب الصم ولعل بعضهم على العكس من ذلك لخلفياتهم الثقافية والتعليمية المتعددة ولا يصح التعميم.
من المنطق أن الأصم يتقن لغة الإشارة ولا يتقن اللغة العربية فلا يتمكن من التواصل وعملية الاندماج بشكل طبيعي إلى حد كبير مما يجعله يعتمد على المترجمين في كل مكان وزمان وهذا شيء مُفرط ومرهق ومكلف. من المفترض أن الأصم يجب أن يصل إلى المجتمع لكي يعتمد على نفسه ويستقل بذاته وذلك عندما يجيد اللغة العربية عن طريق منهج التعليم الثنائي (Bilingualism) وليس بالضرورة أن يعتمد على الآخرين في كل شيء.
من المعروف أن هذا المنهج متطور جداً في الدول المتقدمة ولا شك أن العالم العربي بعيد كل البعد عن مواكبة هذا التطور العلمي أو التأثر به وليس غريباً أن المتخصصين العرب غافلون عنه ولعل بعضهم لم يسمع عنه أو يطلع عليه.
في كل مرة أسمع وأقرأ عن مشروع أو برنامج لغة الإشارة عن طريق المؤسسات الخيرية والربحية التي تقدم التبرعات أو الجوائز المالية لأصحاب المبادرات وأنهم يصفقون للفائزين ويقولون: إن فئة الصم «غالية علينا» كالعادة ولا أعلم ماذا بعد ذلك.
هنا أود أن أطرح هذه الأسئلة:
ماذا عن تعليم اللغة العربية للصم؟
لماذا يتم التركيز على مشروع لغة الإشارة فقط وتجاهل تعليم اللغة العربية لهم؟
كيف نصنع مجتمعاً قارئاً ونجعل أجيال الصم القادمة جيل قراءة؟
أجزم أنهم لا يجدون إجابات مقنعة، وبعضهم يظن أن تعليم لغة الإشارة أهم من اللغة العربية وهذا الظن خاطئ وكما أن بعضهم يعتقد أن الصم لا يستطيعون القراءة والكتابة وهذا الاعتقاد خاطئ أيضاً لأن كل التجارب التعليمية للصم في بلدنا لم تنجح إلى حد معقول لضعف فلسفة التعليم وضعف إعداد وتأهيل للمعلمين لكي يتمكنوا من القيام بمهمة التدريس في مواد اللغة العربية للصم وربما أن هناك إغفالاً متعمداً لمسألة فلسفة التعليم.
يمكن القول إن فلسفة التعليم هي فلسفة فكرية عميقة ومتعلقة بالأسئلة الأساسية على سبيل المثال:
ما الغاية من تعليم اللغة العربية للصم؟
ما المنهج التعليمي للصم؟
كيف ينبغي للطالب أن يتعلم؟
ما دور المعلم في التعليم؟
ما دور الجامعات والكليات في مجال الصم؟
ما هي السياسات التعليمية للصم ((Educational Policies؟
سبق أن كتبت بعض مقالاتي السابقة حول أهمية إنشاء مركز تعليم اللغة العربية للصم في بلدنا لمصلحة المجتمع، فاللغة العربية من أهم عناصر هوية الإنسان وعلينا كعرب أن نحافظ عليها لأن الأشخاص الصم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا ويجب العناية بتعليم اللغة العربية وقواعدها بشكل منهجي ومدروس ليؤدي إلى اكتسابهم اللغة لتعم الفائدة عليهم وعلى مستقبلهم في الحياة والتعليم العام والجامعي.
هنا أستطيع القول: إن الصم لا يمكنهم فهم التعليم من دون فهم اللغة العربية حتى لو أنهم يدرسون في المدارس، وما يحصل في مدارسنا هدر للوقت والجهد والمال. الخلل ليس في الطلاب بل الخلل في البيئة التعليمية المتكاملة.
هذا اقتراحي المتواضع - يا معالي وزير التعليم - هو إنشاء مركز تعليم اللغة العربية للصم والتوعية بأهمية القراءة لدى الصم وتشجيع الأطفال منهم على القراءة والاطلاع في سن مبكرة، والجميع يعلم أن القرار بيد وزارة التعليم ولا يمكن أن تنجح المبادرة دون قرار حاسم، فكن مبادراً ونحن معك وخلفك من أجل التغيير للأفضل.
أرجو من الله أن يرد الوعي للمجتمع، وأن يجعلهم متمسكين بلغتهم العربية العظيمة.
طالب ماجستير - واشنطن دي سي